للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بخروجه من نيسابور، بل قد وقعت له في بخاري محنة أخرى هي امتداد للأولى. إذ لما قام البخاري " بخاري " استقبله أهلها استقبالاً عظيماً، وبقي أياماً على الحفاوة والتكريم. فكتب بعدها محمد بن يحي الذهلي، إلى خالد بن أحمد أمير بخاري " إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة. فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا: لا نفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد، فخرج (١) وقد ذكر المؤرخون سبباً آخر يمكن أن يكون هو السبب الحقيقي لنفرة هذا الأمير من البخاري. فقد طلب من البخاري لما قدم "بخارى" أن يحمل " الجامع " و " التاريخ " وغيرها من كتبه ليسمعها الأمير وأهل بيته، لكن البخاري اعتبر ذلك إذلالاً للعلم. وقال لرسوله: " أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كانت لك إلي شيء منه حاجة، فاحضر إلى مسجدي أو في داري، وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عند الله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار (٢) " (٣) .

[وفاته]

لما منع البخاري من العلم خرج إلى " خرتنك " وهي قرية على فرسخين من سمرقند، كان له بها أقرباء فبقي فيها أياماً قليلة، ثم توفي وكان ذلك ليلة السبت ليلة عيد الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة ستة وخمسين ومائتين، وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوماً (٤) وكانت حياته كلها حافلة بالعلم معمورة بالعبادة، فجزاه الله عن الإسلام وأهله خير الجزاء.


(١) السير: ج١٢ ص٤٦٣، ومقدمة الفتح ص٥١٨.
(٢) حديث صحيح أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد ج٢ ص٢٦٣ و ٣٠٥ و ٣٤٤ و ٣٥٣ و ٤٩٥، وأبو داود (٣٦٥٨) والترمذي (٢٦٥١) ، وابن ماجة (٢٦١) و (٢٦٦) وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان (٧٥) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو، صححه ابن حبان (٩٦) والحاكم ج١ ص١٠٢، ووافقه الذهبي.
(٣) تاريخ بغداد: ج٢ ص٣٣، السير ج١٢ ص٤٦٤.
(٤) تاريخ بغداد: ج٢ ص٣٤، وفيات الأعيان: ج٤ ص١٩١، السير: ج١٢ ص٤٦٦، مقدمة الفتح ص٥١٨.

<<  <   >  >>