للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْهُ وَمَا حَوْلَهُ كُلُّهُ بِلَادُ شِرْكٍ وَقَسَمَ أَمْوَالَ أَهْلِ بَدْرٍ بِسَيْر عَلَى أَمْيَالٍ مِنْ بَدْرٍ وَمَنْ حَوْلَ سِيَرَ وَأَهْلُهُ مُشْرِكُونَ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَسَمَهُ بِسَيْر؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَعَلَّ الْعَدُوَّ لَا يَأْتُونَهُ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سِيَرُ أَوَصَفَ بِهِمْ فِي الْمَنْزِلِ مِنْ بَدْر.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَكْثَرُ مَا قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأُمَرَاءُ سَرَايَاهُ مَا غَنِمُوا بِبِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا وَصَفْت مِنْ قَسْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَرَايَاهُ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَقَالَ: لِي بَعْضُ النَّاسِ لَا تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ إلَّا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ خَالَفَهُ وَقَالَ: فِيهِ قَوْلَنَا وَالْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنْ الْمَعْرُوفِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْقَسْمِ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ، وَإِذَا حَوَّلَهُ الْإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُ حَمُولَةٌ حَمَلَهُ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمِلُوهُ لَهُ إنْ كَانَ مَعَهُمْ حُمُولَة بِلَا كِرَاءٍ، وَإِنْ امْتَنَعُوا فَوَجَدَ كِرَاءً كَارَى عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَأْجَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ أَخْرَجَ الْكِرَاءَ وَالْإِجَارَةَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ: قَائِلٌ يُجْبَرُ مَنْ مَعَهُ فَضْلُ مَحْمَلٍ كَانَ مَذْهَبًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَمُولَةً، وَلَمْ يَحْمِلْ الْجَيْشُ قَسَمَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ مَنْ شَاءَ أَخَذَ مَالَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ: قَائِلٌ يُجْبَرُونَ عَلَى حَمْلِهِ بِكِرَاءِ مِثْلِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ كَانَ مَذْهَبًا

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا خَرَجَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ عَسْكَرٍ فَغَنِمَتْ غَنِيمَةً فَالْأَمْرُ فِيهَا كَمَا وَصَفْت فِي الْجَيْشِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ سَاقَ صَاحِبُ الْجَيْشِ، أَوْ السَّرِيَّةِ سَبْيًا، أَوْ خُرْثِيًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَدْرَكَهُ الْعَدُوُّ فَخَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْهُ، أَوْ أَبْطَأَ عَلَيْهِ بَعْضُ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ قَتَلَ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ قَتَلَهُمْ وَلَيْسَ لَهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، وَلَا قَتْلُ النِّسَاءِ مِنْهُمْ، وَلَا عَقْرُ الدَّوَابِّ، وَلَا ذَبْحُهَا، وَذَلِكَ أَنِّي إنَّمَا وَجَدْت الدَّلَالَةَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ إنَّ مَا أُبِيحَ قَتْلُهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ الْبَهَائِمِ فَإِنَّمَا أُبِيحَ أَنْ يُذْبَحَ إذَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ لِيُؤْكَلَ، وَلَا يَقْتُلُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ الَّذِي هُوَ مِثْلُ الذَّبْحِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ تَصِير الْبَهَائِمُ وَهِيَ أَنْ تُرْمَى بَعْدَمَا تُؤْخَذُ وَأُبِيحَ مَا امْتَنَعَ مِنْهَا بِمَا نِيلَ بِهِ مِنْ سِلَاحٍ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ أَنْ يُقْتَلَ لِيُؤْكَلَ وَتِلْكَ ذَكَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ مِنْ ذَكَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا قَتْلُ مَا لَا يُؤْكَلُ لِضَرَرِهِ وَأَذَاهُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعَانِي الْأَعْدَاءِ، أَوْ الْحُوتِ أَوْ الْجَرَادِ فَإِنْ قَتْلَهُ ذَكَاتُهُ، وَهُوَ يُؤْكَلُ بِلَا ذَكَاةٍ، وَأَمَّا مَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا أَجِدُهُ أُبِيحَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ قِيلَ: تُذْبَحُ خَيْلُهُمْ وَتُعْقَرُ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ جَعْفَرًا عَقَرَ عِنْدَ الْحَرْبِ، وَلَا أَعْلَمُ مَا رُوِيَ عَنْ جَعْفَرٍ مِنْ ذَلِكَ ثَابِتًا لَهُمْ مَوْجُودًا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْمَغَازِي، وَلَا ثَابِتًا بِالْإِسْنَادِ الْمَعْرُوفِ الْمُتَّصَلِ فَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ: هَذَا إنَّمَا أَرَادَ غَيْظَ الْمُشْرِكِينَ لِمَا فِي غَيْظِهِمْ مِنْ أَنْ يُكْتَبَ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ فَذَلِكَ فِيمَا أُغِيظُوا بِهِ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَرَادَ تُوهِينَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَا نَجِدُ مِمَّا يُغِيظُهُمْ وَيُوهِنُهُمْ مَا هُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْنَا غَيْرُ مُبَاحٍ لَنَا فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْنَا قَتْلُ أَبْنَائِهِمْ وَنِسَائِهِمْ، وَلَوْ قُتِلُوا كَانَ أَغِيظَ وَأَهْوَنَ لَهُمْ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَقَتْلُ ذَوِي الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ وَجْهِهِ عَذَابٌ فَلَا يَجُوزُ عِنْدِي لِغَيْرِ مَعْنَى مَا أُبِيحَ مِنْ أَكْلِهِ وَإِطْعَامِهِ، أَوْ قَتْلِ مَا كَانَ عَدُوًّا مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَمَّا مَا لَا رُوحَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِتَحْرِيقِهِ وَإِتْلَافِهِ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَقَ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ وَعَقَرَ النَّخْلَ بِخَيْبَرَ وَالْعِنَبَ بِالطَّائِفِ، وَإِنَّ تَحْرِيقَ هَذَا لَيْسَ بِتَعْذِيبٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْلَمُ بِالتَّحْرِيقِ إلَّا ذُو رُوحٍ، وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>