للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتَلَفُوا فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ الصَّدَقَةِ نَصِيبٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَأَهْلُ الْفَيْءِ كَانُوا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْزِلٍ عَنْ الصَّدَقَةِ وَأَهْلُ الصَّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْفَيْءِ قَالَ وَالْعَطَاءُ الْوَاجِبُ مِنْ الْفَيْءِ لَا يَكُونُ إلَّا لِبَالِغٍ يُطِيقُ مِثْلُهُ الْقِتَالَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّنِي ثُمَّ عُرِضْت عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَنِي» قَالَ نَافِعٌ فَحَدَّثْت بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ وَكَتَبَ فِي أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَكْمِلُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَعْمَى لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا، أَوْ مَنْقُوصَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَبَدًا لَمْ يُفْرَضْ لَهُ فَرْضُ الْمُقَاتِلَةِ وَأُعْطِيَ بِمَعْنَى الْكِفَايَةِ فِي الْمُقَامِ وَالْكِفَايَةُ فِي الْمُقَامِ شَبِيهٌ بِعَطَاءِ الذُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ فِي الْقِتَالِ لِلسَّفَرِ وَالْمُؤْنَةِ أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ سَالِمًا فِي الْمُقَاتِلَةِ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ أَصَابَهُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجَاهِدُ مَعَهُ أَبَدًا صُيِّرَ إلَى أَنْ يُعْطِيَ الْكِفَايَةَ فِي الْمُقَامِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنْ مَرِضَ مَرَضًا طَوِيلًا قَدْ يُرْجَى بُرْؤُهُ مِنْهُ أَعْطَاهُ عَطَاءَ الْمُقَاتِلَةِ وَيَخْرُجُ الْعَطَاءُ فِي كُلِّ عَامٍ لِلْمُقَاتِلَةِ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَعْطَيْت الذُّرِّيَّةَ عَلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ.

وَإِذَا صَارَ مَالُ الْفَيْءِ إلَى الْوَالِي ثُمَّ مَاتَ مَيِّتٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ عَطَاءَهُ أَعْطَى وَرَثَتَهُ عَطَاءَهُ.

وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَالُ الَّذِي فِيهِ عَطَاؤُهُ لِذَلِكَ الْعَامِ إلَى الْوَالِي لَمْ تُعْطَ وَرَثَتُهُ عَطَاءَهُ.

وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْمَالِ فَضْلٌ بَعْدَمَا وَصَفْت مِنْ إعْطَاءِ الْعَطَاءِ وَضَعَهُ الْإِمَامُ فِي إصْلَاحِ الْحُصُونِ وَالِازْدِيَادِ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَكُلِّ مَا قَوَّى بِهِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَمُلَتْ كُلُّ مَصْلَحَةٍ لَهُمْ فَرْقُ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَيْنَهُمْ كُلُّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّونَ فِي ذَلِكَ الْمَالِ.

وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ مَبْلَغِ الْعَطَاءِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ بَالِغًا مَا بَلَغَ لَمْ يَحْبِسْ عَنْهُمْ مِنْهُ شَيْئًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ رِزْقُ الْحُكَّامِ وَوُلَاةِ الْأَحْدَاثِ وَالصِّلَاتِ بِأَهْلِ الْفَيْءِ وَكُلِّ مَنْ قَامَ بِأَمْرِ أَهْلِ الْفَيْءِ مِنْ وَالٍ وَكَاتِبٍ وَجُنْدِيٍّ مِمَّنْ لَا غِنَى لِأَهْلِ الْفَيْءِ عَنْهُ رِزْقَ مِثْلِهِ فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَغْنَى غَنَاءَهُ وَيَكُونُ أَمِينًا كَمَا يَلِي لَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا وَلِيَ، وَلَمْ يَزِدْ أَحَدًا عَلَى أَقَلِّ مَا يُحْدِثُهُ أَهْلُ الْغَنَاءِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْزِلَةَ الْوَالِي مِنْ رَعِيَّتِهِ بِمَنْزِلَةِ وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ لَا يُعْطَى مِنْهُ عَلَى الْغَنَاءِ عَلَى الْيَتِيمِ إلَّا أَقَلَّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.

قَالَ وَإِنْ وَلِيَ أَحَدٌ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ كَانَ رِزْقُهُ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا، وَلَا يُعْطَى مِنْ الْفَيْءِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْفَيْءِ، وَلَا يُرْزَقُ مِنْ الْفَيْءِ عَلَى وِلَايَةِ شَيْءٍ إلَّا مَا لَا صَلَاحَ فَلَا يَدْخُلُ الْأَكْثَرُ فِيمَنْ يَرْزُقُهُ عَلَى الْفَيْءِ، وَهُوَ يُغْنِيهِ الْأَقَلُّ.

وَإِنْ ضَاقَ الْفَيْءُ عَنْ أَهْلِهِ آسَى بَيْنَهُمْ فِيهِ.

الْخِلَافُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ فَذَهَبُوا بِهِ مَذَاهِبَ لَا أَحْفَظُ عَنْهُمْ تَفْسِيرَهَا، وَلَا أَحْفَظُ أَيُّهُمْ قَالَ مَا أَحْكِي مِنْ الْقَوْلِ دُونَ مَا خَالَفَهُ وَسَأَحْكِي مَا حَضَرَنِي مِنْ مَعَانِي كُلِّ مَنْ قَالَ فِي الْفَيْءِ شَيْئًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا الْمَالُ لِلَّهِ دَلَّ عَلَى مَنْ يُعْطَاهُ، فَإِذَا اجْتَهَدَ الْوَالِي فَأَعْطَاهُ فَفَرَّقَهُ فِي جَمِيعِ مَنْ سَمَّى لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ بِالْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ فَضَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>