للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَلَّ مِنْ دِينَارٍ، أَوْ عَلَى أَنْ يَضَعَ عَمَّنْ أَعْسَرَ مِنْ أَهْلِ دِينِهِ الْجِزْيَةَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَّا مَا صَالَحَهُ عَلَيْهِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَ الصُّلْحِ تُوجِبُ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ شَيْئًا وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ حَتَّى يُصَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا، وَإِنْ صَالِحُوهُ صُلْحًا جَائِزًا عَلَى دِينَارٍ، أَوْ أَكْثَرَ فَأَعْسَرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِجِزْيَتِهِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِمَالِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ، وَلَا غُرَمَائِهِ مِنْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنْ فَلَّسَهُ لِأَهْلِ دِينِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ ضَرَبَ مَعَ غُرَمَائِهِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ، وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ غُرَمَائِهِ كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَعِدَّ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ، أَوْ بَعْضُهُمْ، فَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ أَنْ يَقِفَ مَالُهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَعْدِ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ جِزْيَتِهِ مِنْهُ دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حَقٌّ عِنْدَهُ حِينَ أَخَذَ جِزْيَتَهُ.

وَإِنْ صَالَحَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى مَا يَجُوزُ لَهُ فَغَابَ الذِّمِّيُّ فَلَهُ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إذَا عَلِمَ حَيَاتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهُ سَأَلَ وَكِيلَهُ وَمَنْ يَقُومُ بِمَالِهِ عَنْ حَيَاتِهِ فَإِنْ قَالُوا: مَاتَ، وَقَفَ مَالَهُ وَأَخَذَ مَا اسْتَحَقَّ فِيهِ إلَى يَوْمِ يَقُولُونَ مَاتَ فَإِنْ قَالُوا: حَيٌّ، وَقَفَ مَالَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ مُتَطَوِّعِينَ الْجِزْيَةَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ، وَهُوَ لَا يَعْلَمُ حَيَاتَهُ إلَّا أَنْ يُعْطُوهُ إيَّاهَا مُتَطَوِّعِينَ، أَوْ يَكُونَ بِعِلْمِ وَرَثَتِهِ كُلِّهِمْ وَأَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا بَالِغِينَ يَجُوزُ أَمْرُهُمْ فِي مَالِهِمْ فَيُجِيزُ عَلَيْهِمْ إقْرَارُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ إنْ مَاتَ فَهُوَ مَالُهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِنْ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَالِهِ لِسَنَتَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَهُمَا.

رَدَّ حِصَّةَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُحَاصَّ الْغُرَمَاءَ فَإِنْ كَانَ مَا يُصِيبُهُ إذَا حاصصهم فِي الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ أَقَلُّ مِمَّا أَخَذَ رَدَّهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ جَائِزِي الْأَمْرَ فَقَالُوا مَاتَ أَمْسِ وَشَهِدَ شُهُودٌ أَنَّهُ مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فَسَأَلَ الْوَرَثَةُ الْوَالِيَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ جِزْيَتَهُ سَنَةً لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يُكَذِّبُونَ الشُّهُودَ بِسُقُوطِ الْجِزْيَةِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ جَاءَنَا وَارِثَانِ فَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا الشُّهُودَ وَكَذَّبَهُمْ الْآخَرُ فَكَانَا كَرَجُلَيْنِ شَهِدَ لَهُمَا رَجُلَانِ بِحَقَّيْنِ فَصَدَّقَهُمَا أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يُصَدِّقْهُمَا الْآخَرُ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِلَّذِي صَدَّقَهُمَا وَتُرَدُّ لِلَّذِي كَذَّبَهُمَا وَكَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الدِّينَارِ عَلَى الْوَارِثِ الَّذِي صَدَّقَ الشُّهُودَ، وَلَا يَرُدُّ عَلَى الَّذِي كَذَّبَ الشُّهُودَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ أَخَذْنَا الْجِزْيَةَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا فَافْتَقَرَ كَانَ الْإِمَامُ غَرِيمًا مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ مِنْ مَالِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى فَقِيرٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ مَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:

الصَّدَقَاتُ فَهِيَ لِأَهْلِهَا الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ، وَالْفَيْءُ فَلِأَهْلِهِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ، وَالْغَنِيمَةُ فَلِأَهْلِهَا الَّذِينَ حَضَرُوهَا، وَأَهْلُ الْخُمُسِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْأَنْفَالِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُسْلِمٌ فَحَرَامٌ عَلَى الْإِمَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ حَقِّ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطِيهِ مُسْلِمًا غَيْرَهُ فَكَيْفَ بِذِمِّيٍّ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا تَطَوَّلَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصِيبًا؟ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّمِّيَّ مِنْهُمْ يَمُوتُ فَلَا يَكُونُ لَهُ وَارِثٌ فَيَكُونُ مَالُهُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْعَمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِتَخْوِيلِهِمْ مَا لَمْ يَكُونُوا يَتَخَوَّلُونَهُ قَبْلَ تَخْوِيلِهِمْ وَبِأَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ فَيْئًا وَغَنِيمَةً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَيَرْوُونَ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ عَلَى نَصَارَى أَيْلَةَ جِزْيَةً دِينَارٌ عَلَى كُلِّ إنْسَانٍ» وَضِيَافَةُ مَنْ مَرَّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَتِلْكَ زِيَادَةٌ عَلَى الدِّينَارِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ بَذَلَ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ بَالِغًا مَا بَلَغَ كَانَ الِازْدِيَادُ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى الْإِمَامِ مِمَّا زَادُوهُ شَيْءٌ، وَقَدْ صَالَحَ عُمَرُ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَضِيَافَةٍ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَمَعَ ذَلِكَ أَرْزَاقُ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَافَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى أَهْلِ الْيُسْرِ وَعَلَى أَهْلِ الْأَوْسَاطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>