للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُؤَدِّي الْجِزْيَةَ، وَلَا أُقِرُّ بِحُكْمٍ نَبَذَ إلَيْهِ، وَلَمْ يُقَاتَلْ عَلَى ذَلِكَ مَكَانَهُ وَقِيلَ: قَدْ تَقَدَّمَ لَك أَمَانٌ بِأَدَائِك لِلْجِزْيَةِ وَإِقْرَارِك بِهَا، وَقَدْ أَجَّلْنَاك فِي أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ إذَا خَرَجَ فَبَلَغَ مَأْمَنَهُ قُتِلَ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَيْنًا لِلْمُشْرِكَيْنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَى عَوْرَاتِهِمْ عُوقِبَ عُقُوبَةً مُنَكَّلَةً، وَلَمْ يُقْتَلْ وَلَمْ يُنْقَضْ عَهْدُهُ، وَإِنْ صَنَعَ بَعْضَ مَا وَصَفْتُ مِنْ هَذَا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مُوَادِعٌ إلَى مُدَّةٍ نَبَذَ إلَيْهِ، فَإِذَا بَلَغَ مَأْمَنَهُ قُوتِلَ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ، أَوْ يَكُونَ مِمَّنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ فَيُعْطِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} الْآيَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَأَمَرَ فِي الَّذِينَ لَمْ يَخُونُوا أَنْ يُتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلَى مُدَّتِهِمْ فِي قَوْلِهِ {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} الْآيَةَ.

الْمُهَادَنَةُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قِتَالَ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا وَأَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ وَقَالَ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} فَهَذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِتَالَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنْ يُهَادِنُوهُمْ، وَقَدْ كَفَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قِتَالِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ بِلَا مُهَادَنَةٍ إذَا انْتَاطَتْ دُورُهُمْ عَنْهُمْ مِثْلَ بَنِي تَمِيمٍ وَرَبِيعَةَ وَأَسَدٍ، وَطِيء حَتَّى كَانُوا هُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَادَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاسًا وَوَادَعَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَهُودًا عَلَى غَيْرِ مَا خَرَجَ أَخَذَهُ مِنْهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقِتَالُ الصِّنْفَيْنِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَرْضٌ إذَا قَوِيَ عَلَيْهِمْ وَتَرْكُهُ وَاسِعٌ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ أَوْ عَنْ بَعْضِهِمْ ضَعْفٌ، أَوْ فِي تَرْكِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ نَظَرٌ لِلْمُهَادَنَةِ وَغَيْرِ الْمُهَادَنَةِ، فَإِذَا قُوتِلُوا، فَقَدْ وَصَفْنَا السِّيرَةَ فِيهِمْ فِي مَوْضِعِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا ضَعُفَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ لِبُعْدِ دَارِهِمْ، أَوْ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ أَوْ خَلَّةٍ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِمَنْ يَلِيهِمْ مِنْهُمْ جَازَ لَهُمْ الْكَفُّ عَنْهُمْ وَمُهَادَنَتُهُمْ عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ أَعْطَاهُمْ الْمُشْرِكُونَ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ كَانَ لَهُمْ أَخْذُهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوهُ مِنْهُمْ إلَّا إلَى مُدَّةٍ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَقْوَوْنَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ بِالْجِزْيَةِ، أَوْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ، وَلَمْ يُعْطُوا أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَا خَيْرَ فِي أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ شَيْئًا بِحَالٍ عَلَى أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِينَ شَهَادَةٌ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ أَعَزُّ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ مُشْرِكٌ عَلَى أَنْ يَكُفَّ عَنْ أَهْلِهِ؛ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَاتِلِينَ وَمَقْتُولِينَ ظَاهِرُونَ عَلَى الْحَقِّ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ وَأُخْرَى أَكْثَرُ مِنْهَا وَذَلِكَ أَنْ يَلْتَحِمَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَخَافُونَ أَنْ يَصْطَلِحُوا لِكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقِلَّتِهِمْ وَخَلَّةٍ فِيهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَعَانِي الضَّرُورَاتِ يَجُوزُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهَا، أَوْ يُؤْسَرُ مُسْلِمٌ فَلَا يُخْلَى إلَّا بِفِدْيَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَسَرَهُ الْعَدُوُّ بِرَجُلَيْنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَى رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ».

الْمُهَادَنَةُ عَلَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ.

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): «قَامَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>