للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخُرُوجِهِ إلَيْهِ، وَفِي إعْطَائِهِمْ الْقِيمَةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطُوهَا ذَكَرًا، أَوْ أُنْثَى؛ لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ مِنْهُمْ؟ قِيلَ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهَا عَلَى الْأَحْرَارِ دُونَ الْمَمَالِيكِ ذَوِي الْعَدْلِ، وَلَا يُقَالُ: لِرَقِيقِ الرَّجُلِ هُمْ مِنْك إنَّمَا يُقَالُ هُمْ مَالُك، وَإِنَّمَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْقِيمَةَ بِأَنَّهُمْ إذَا صُولِحُوا أَمِنُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَلَهُمْ أَمَانٌ فَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَرُدَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ حُكِمَ بِأَنْ يَرُدَّ قِيمَةَ الْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ فَائِتٌ. وَمَا رَدَدْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ مِنْ النَّفَقَةِ. قُلْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلَهُ وَمَا لَمْ نُعْطِهِمْ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْأَحْرَارِ الرِّجَالِ، أَوْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ لَمْ نَأْخُذْ مِنْهُمْ شَيْئًا إذَا فَاتَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا حَكَمَ بِأَنْ يُرَدَّ إلَيْهِمْ الْعِوَضُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَكَمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُمْ مِثْلَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يَرُدُّ إلَيْهِمْ قِيمَةً، وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ فِيمَنْ فَاتَ إلَيْهِمْ مِنْ رَقِيقٍ عَيْنًا، وَلَا قِيمَةً؛ لِأَنَّ رَقِيقَهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يُصَالِحْ الْقَوْمَ إلَّا عَلَى مَا وَصَفْت أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ مُسْلِمٍ كَانَ أَسِيرًا فِي أَيْدِيهِمْ فَانْفَلَتَ مِنْهُمْ، وَلَا يَقْضِي لَهُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ أَقَرَّ عَبْدُهُمْ أَنَّهُمْ أَرْسَلُوهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِمْ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَخْرُجْ الْمُسْلِمُ بِحَسْبِهِ؛ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى ضَرُورَةٍ هِيَ أَكْثَرُ الْإِكْرَاهِ وَكُلُّ مَا أَعْطَى الْمَرْءُ عَلَى الْإِكْرَاهِ لَمْ يَلْزَمْهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَلَوْ أَنَّ أَسِيرًا فِي بِلَادِ الْحَرْبِ أَخَذَ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْهُ عِوَضًا كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِثْلَ مَالِهِمْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ أَوْ مِثْلَ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ أَوْ الْعِوَضَ الَّذِي رَضُوا بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ رَدَّهُ إلَيْهِمْ بِعَيْنِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ تَغَيَّرَ، وَإِنْ كَانَ تَغَيَّرَ رَدَّهُ وَرَدَّ مَا نَقَصَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى أَمَانٍ، وَإِنَّمَا أَبْطَلْتُ عَنْهُ الشَّرْطَ بِالْإِكْرَاهِ وَالضَّرُورَةِ فِيمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِ عَرَضًا. وَهَكَذَا لَوْ صَالَحْنَا قَوْمًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى مِثْلِ مَا وَصَفْت فَكَانَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسِيرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فَانْفَلَتَ فَأَتَانَا لَمْ يَكُنْ لَنَا رَدُّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ قَدْ يُمْسِكُونَ عَنْ قَتْلِ وَتَعْذِيبِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ إمْسَاكًا لَا يُمْسِكُونَهُ عَنْ غَيْرِهِ.

أَصْلُ نَقْضِ الصُّلْحِ فِيمَا لَا يَجُوزُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): حَفِظْنَا أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ الصُّلْحَ الَّذِي وَصَفْتُ فَخَلَّى بَيْنَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ وَوَلِيِّهِ وَقَدِمَتْ عَلَيْهِمْ أُمُّ كُلْثُومِ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً فَجَاءَ أَخَوَاهَا يَطْلُبَانِهَا فَمَنَعَهَا مِنْهُمَا» وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَقَضَ الصُّلْحَ فِي النِّسَاءِ وَحَكَمَ فِيهِنَّ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا ذَهَبْت إلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ رَدُّهُنَّ فِي الصُّلْحِ لَمْ يُعْطِ أَزْوَاجَهُنَّ فِيهِنَّ عِوَضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهَا {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} قَرَأَ الرَّبِيعُ الْآيَةَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ فِي الصُّلْحِ قَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ الَّتِي فِي بَرَاءَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ الْآيَةِ فِي بَرَاءَةَ قُلْنَا إذَا صَالَحَ الْإِمَامُ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ فَالطَّاعَةُ نَقْضُهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النِّسَاءِ، وَقَدْ أَعْطَى الْمُشْرِكِينَ فِيمَا حَفِظْنَا فِيهِنَّ مَا أَعْطَاهُمْ فِي الرِّجَالِ بِأَنْ لَمْ يُسْتَثْنَيْنَ وَأَنَّهُنَّ مِنْهُمْ وَبِالْآيَةِ فِي بَرَاءَةَ

وَبِهَذَا قُلْنَا: إذَا ظَفِرَ الْمُشْرِكُونَ بِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذُوا عَلَيْهِ عُهُودًا وَأَيْمَانًا بِأَنْ يَأْتِيَهُمْ، أَوْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ بِكَذَا، أَوْ بِعَدَدِ أَسْرَى أَوْ مَالٍ فَحَلَالٌ لَهُ أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا؛ لِأَنَّهَا أَيْمَانُ مُكْرَهٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَى الْإِمَامُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ إنْ جَاءَهُ. فَإِنْ قَالَ: قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>