للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَزْوَاجِ حَتَّى قَطَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِصْمَةَ الْأَزْوَاجِ بِإِسْلَامِ النِّسَاءِ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ قَبْلَ إسْلَامِ الْأَزْوَاجِ فَلَا يُؤْتَى أَحَدٌ نَفَقَتَهُ مِنْ امْرَأَةٍ فَاتَتْ إلَّا ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَأَبَانَهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ ذَلِكَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ فَكَانَ الْحُكْمُ فِي إسْلَامِ الزَّوْجِ الْحُكْمَ فِي إسْلَامِ الْمَرْأَةِ لَا يَخْتَلِفَانِ. قَالَ: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ أَزْوَاجَ الْمُشْرِكَاتِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ إذَا مَنَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ إتْيَانَ أَزْوَاجِهِمْ بِالْإِسْلَامِ أُوتُوا مَا دَفَعَ إلَيْهِنَّ الْأَزْوَاجُ مِنْ الْمُهُورِ كَمَا يُؤَدِّي الْمُسْلِمُونَ مَا دَفَعَ أَزْوَاجُ الْمُسْلِمَاتِ مِنْ الْمُهُورِ وَجَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حُكْمًا بَيْنَهُمْ ثُمَّ حَكَمَ لَهُمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى حُكْمًا ثَانِيًا، فَقَالَ عَزَّ وَعَلَا {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ يُرِيدُ فَلَمْ تَعْفُوَا عَنْهُمْ إذَا لَمْ يَعْفُوَا عَنْكُمْ مُهُورَ نِسَائِكُمْ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} كَأَنَّهُ يَعْنِي مِنْ مُهُورِهِنَّ إذَا فَاتَتْ امْرَأَةُ مُشْرِكٍ أَتَتْنَا مُسْلِمَةً قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً فِي مَهْرِهَا وَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ إلَى الْكُفَّارِ قَدْ أَعْطَاهَا مِائَةً حُسِبَتْ مِائَةُ الْمُسْلِمِ بِمِائَةِ الْمُشْرِكِ فَقِيلَ: تِلْكَ الْعُقُوبَةُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَكْتُبُ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ عُهُودِ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُعْطِيَ الْمُشْرِكُ مَا قَاصَصْنَاهُ بِهِ مِنْ مَهْرِ امْرَأَتِهِ لِلْمُسْلِمِ الَّذِي فَاتَتْ امْرَأَتُهُ إلَيْهِمْ لَيْسَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لِلْمُسْلِمَةِ الَّتِي تَحْتَ مُشْرِكٍ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ رَدَّ الْإِمَامُ الْفَضْلَ عَنْ الْمِائَةِ إلَى الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ الْمُسْلِمَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ الْمُشْرِكِ مِائَتَيْنِ وَمَهْرُ امْرَأَةِ الْمُسْلِمِ الْفَائِتَةِ إلَى الْكُفَّارِ مِائَةً فَفَاتَتْ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ أُخْرَى قَصَّ مِنْ مَهْرِهَا مِائَةً وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ مِمَّنْ فَاتَتْهُ زَوْجَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إلَّا قِصَاصًا مِنْ مُشْرِكٍ فَاتَتْ زَوْجَتُهُ إلَيْنَا، وَإِنْ فَاتَتْ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ مُسْلِمَةً، أَوْ مُرْتَدَّةً فَمَنَعُوهَا فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ فَاتَتْ عَلَى أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَ فَرَدُّوهَا لَمْ يُؤْخَذْ لِزَوْجِهَا مِنْهُمْ مَهْرٌ وَتُقْتَلُ إنْ لَمْ تُسْلِمْ إذَا ارْتَدَّتْ وَتُقَرُّ مَعَ زَوْجِهَا مُسْلِمَةً.

تَفْرِيعُ أَمْرِ نِسَاءِ الْمُهَادِنِينَ.

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا جَاءَتْ الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْهُدْنَةِ مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى مَوْضِعِ الْإِمَامِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ دَارِ الْحَرْبِ فَمَنْ طَلَبَهَا مِنْ وَلِيٍّ سِوَى زَوْجِهَا مُنِعَ مِنْهَا بِلَا عِوَضٍ، وَإِذَا طَلَبَهَا زَوْجُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ طَلَبَهَا غَيْرُهُ بِوَكَالَتِهِ مُنِعَهَا، وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُعْطَى الْعِوَضَ وَالْعِوَضُ مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمِثْلَ مَا أَنْفَقُوا يَحْتَمِلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا دَفَعُوا بِالصَّدَاقِ لَا النَّفَقَةِ غَيْرُهُ، وَلَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ إنْ كَانُوا لَمْ يَدْفَعُوهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِذَا جَاءَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ قَدْ نَكَحَهَا بِمِائَتَيْنِ فَأَعْطَاهَا مِائَةً رُدَّتْ إلَيْهِ مِائَةٌ، وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ فَأَعْطَاهَا خَمْسِينَ رُدَّتْ إلَيْهِ خَمْسُونَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَأْخُذْ مِنْهُ مِنْ الصَّدَاقِ إلَّا خَمْسِينَ، وَإِنْ نَكَحَهَا بِمِائَةٍ، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا مِنْ الصَّدَاقِ لَمْ تَرُدَّ إلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ بِالصَّدَاقِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْفَقَ مِنْ عُرْسٍ وَهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لَمْ يُعْطِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّهُ تَطَوَّعَ بِهِ، وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَ زَادَهَا عَلَيْهِ، أَوْ نَقَصَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِأَنْ يُعْطُوا مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَيُعْطِي الزَّوْجُ هَذَا الصَّدَاقَ مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>