للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُقَاتَلُ مَنْ يُقَاتِلُ، فَأَمَّا مَنْ لَا يُقَاتِلُ فَإِنَّمَا يُقَالُ اُقْتُلُوهُ لَا فَقَاتِلُوهُ وَلَوْ كَانَ فِيمَا احْتَجَجْت بِهِ مِنْ هَذَا حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك لِأَنَّك تَقُولُ لَا تَقْتُلُونَ مُدْبِرًا وَلَا أَسِيرًا وَلَا جَرِيحًا إذَا انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ قَالَ قُلْته اتِّبَاعًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قُلْت فَقَدْ خَالَفْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مِثْلِ مَا اتَّبَعْته فِيهِ، وَقُلْت أَرَأَيْت إنْ احْتَجَّ عَلَيْك أَحَدٌ بِمِثْلِ حُجَّتِك وَقَالَ نَقْتُلُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ وَإِنْ انْهَزَمَ عَسْكَرُهُمْ لِأَنَّ عَلِيًّا قَدْ يَكُونُ تَرَكَ قَتْلَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ لَا عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيمِ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ احْتَمَلَ ذَلِكَ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ قُلْت وَلَا لَك لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا يَحْتَمِلُهُ دَلَالَةً عَلَى قَتْلِ مَنْ كَانَتْ لَهُ فِئَةٌ مُوَلِّيًا وَأَسِيرًا أَوْ جَرِيحًا.

(قَالَ): وَقُلْت وَمَا أَلْفَيْته مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا هُوَ إلَّا وَاحِدٌ مِنْ مَعْنَيَيْنِ، إمَّا مَا قُلْنَا بِالِاسْتِدْلَالِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِعْلِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ السَّلَفِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَدْ أَسَرَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِمَّنْ مَنَعَ الصَّدَقَةَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ، وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَدْ أَسَرَ وَقَدَرَ عَلَى مَنْ امْتَنَعَ فَمَا ضَرَبَهُ وَلَا قَتَلَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خُرُوجُهُمْ إلَى هَذَا يُحِلُّ دِمَاءَهُمْ فَيُقْتَلُونَ فِي كُلِّ حَالٍ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ قَالَ لَا يُقْتَلُونَ فِي هَذِهِ الْحَالِ. قُلْت أَجَلٌ وَلَا فِي الْحَالِ الَّتِي أَبَحْت دِمَاءَهُمْ فِيهَا، وَقَدْ كَانَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ فَكَانَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ فِئَةٌ كَانُوا كَثِيرًا وَانْصَرَفَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ فَكَانُوا يَحْتَمِلُونَ أَنْ تَكُونَ الْفِئَةُ الْمُنْصَرِفَةُ أَوَّلًا فِئَةً لِلْفِئَةِ الْمُنْصَرِفَةِ آخِرًا، وَقَدْ كَانَتْ فِي الْمُسْلِمِينَ هَزِيمَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَائِفَةٌ بِالشِّعْبِ فَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِئَةً لِمَنْ انْحَازَ إلَيْهِ وَهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ لِلْقَوْمِ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ وَلَا يُرِيدُونَهَا وَلَا يُرِيدُونَ الْعَوْدَةَ لِلْقِتَالِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِئَةٌ فَيَنْهَزِمُونَ يُرِيدُونَ الرُّجُوعَ لِلْقِتَالِ وَقَدْ وَجَدْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْقِتَالَ وَيَشْحَذُونَ السِّلَاحَ فَتَزْعُمُ نَحْنُ وَأَنْتَ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا قِتَالُهُمْ مَا لَمْ يَنْصِبُوا إمَامًا وَيَسِيرُوا وَنَحْنُ نَخَافُهُمْ عَلَى الْإِيقَاع بِنَا فَكَيْفَ أَبَحْت قِتَالَهُمْ بِإِرَادَةِ غَيْرِهِمْ الْقِتَالَ أَوْ بِتَرْكِ غَيْرِهِمْ الْهَزِيمَةَ وَقَدْ انْهَزَمُوا هُمْ وَجُرِحُوا وَأُسِرُوا وَلَا تُبِيحُ قِتَالَهُمْ بِإِرَادَتِهِمْ الْقِتَالَ؟ وَقُلْت لَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْك فِي هَذَا حُجَّةٌ إلَّا فِعْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَوْلُهُ كُنْت مَحْجُوجًا بِفِعْلِ عَلِيٍّ وَقَوْلِهِ قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي فَاخِتَةَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُتِيَ بِأَسِيرٍ يَوْمَ صِفِّينَ فَقَالَ لَا تَقْتُلْنِي صَبْرًا فَقَالَ عَلِيٌّ " لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " فَخَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قَالَ أَفِيك خَيْرٌ أَيُبَايِعُ؟.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْحَرْبُ يَوْمَ صِفِّينَ قَائِمَةٌ وَمُعَاوِيَةُ يُقَاتِلُ جَادًّا فِي أَيَّامِهِ كُلِّهَا مُنْتَصِفًا أَوْ مُسْتَعْلِيًا وَعَلِيٌّ يَقُولُ لِأَسِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لَا أَقْتُلُك صَبْرًا إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِقَتْلِ مِثْلِهِ؟ قَالَ فَلَعَلَّهُ مَنَّ عَلَيْهِ قُلْت هُوَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَالَ يَقُولُ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ فَأَطْلُبُ الْأَجْرَ بِالْمَنِّ عَلَيْك قُلْت أَفَيَجُوزُ إذْ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ لِمَنْ لَا فِئَةَ لَهُ مِثْلُ حُجَّتِك؟ قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَيْهِ قُلْت وَلَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي فَاخِتَةَ عَلَى مَا قُلْت وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى خِلَافِك لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهُ رَجَاءَ الْأَجْرِ قَالَ إنِّي لَأَرْجُو اللَّهَ. وَاسْمُ الرَّجَاءِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مُبَاحًا لَهُ أَوْلَى مِنْ اسْمِ الْخَوْفِ وَاسْمُ الْخَوْفِ بِمَنْ تَرَكَ شَيْئًا خَوْفَ الْمَأْثَمِ أَوْلَى وَإِنْ احْتَمَلَ اللِّسَانُ الْمَعْنَيَيْنِ قَالَ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ قَوْلَك لَا نَسْتَمْتِعُ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ بِشَيْءٍ إلَّا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ قُلْت وَمَا تِلْكَ الْحَالُ؟ قَالَ إذَا كَانَتْ الْحَرْبُ قَائِمَةً اُسْتُمْتِعَ بِدَوَابِّهِمْ وَسِلَاحِهِمْ فَإِذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ رُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَرَثَتِهِمْ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا وَإِيَّاكَ مُعَارِضٌ يَسْتَحِلُّ مَالَ مَنْ اُسْتُحِلَّ دَمُهُ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ؟ فَقَالَ الدَّمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنْ الْمَالِ فَإِذَا حَلَّ الدَّمُ كَانَ الْمَالُ لَهُ تَبَعًا هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الَّذِينَ خَالَفُوا دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَكَذَا وَتَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ أَيْضًا بِمَا لَا تَحِلُّ بِهِ دِمَاؤُهُمْ وَذَلِكَ إنْ يُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ فَيُسْتَرَقُّونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>