للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا أَسَرَ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْلِمَ فَخَلَّوْهُ عَلَى فِدَاءٍ يَدْفَعُهُ إلَى وَقْتٍ وَأَخَذُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْ الْفِدَاءَ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَدَعَهُ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ فَإِنْ كَانُوا امْتَنَعُوا مِنْ تَخْلِيَتِهِ إلَّا عَلَى مَالٍ يُعْطِيهُمُوهُ فَلَا يُعْطِيهِمْ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّهُ مَالٌ أَكْرَهُوهُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُمُوهُ عَلَى شَيْءٍ يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَحِقَّ لَهُ إلَّا أَدَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَكَذَا لَوْ صَالَحَهُمْ مُبْتَدِئًا عَلَى شَيْءٍ انْبَغَى لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِمْ إنَّمَا أَطْرَحُ عَلَيْهِمْ مَا اُسْتُكْرِهَ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي أَسِيرٍ فِي أَيْدِي الْعَدُوِّ وَأَرْسَلُوا مَعَهُ رُسُلًا لِيُعْطِيَهُمْ فِدَاءً أَوْ أَرْسَلُوهُ بِعَهْدٍ أَنْ يُعْطِيَهُمْ فِدَاءً سَمَّاهُ لَهُمْ وَشَرَطُوا عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَى رَسُولِهِمْ أَوْ يُرْسِلَ بِهِ إلَيْهِمْ أَنْ يَعُودَ فِي إسَارِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَعُودُ فِي إسَارِهِمْ وَيَفِي لَهُمْ بِالْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَرَادَ الْعَوْدَةَ مَنَعَهُ السُّلْطَانُ الْعَوْدَةَ وَقَالَ ابْنُ هُرْمُزَ يُحْبَسُ لَهُمْ بِالْمَالِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَفِي لَهُمْ وَلَا يَحْبِسُونَهُ وَلَا يَكُونُ كَدُيُونِ النَّاسِ وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ يَعُودُ فِي إسَارِهِمْ إنْ لَمْ يُعْطِهِمْ الْمَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ رَبِيعَةَ وَعَنْ ابْنِ هُرْمُزَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَمَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُ فَإِنَّمَا يَحْتَجُّ فِيمَا أَرَاهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يُرْوَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَالَحَ أَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَرُدَّ مَنْ جَاءَهُ بَعْدَ الصُّلْحِ مُسْلِمًا فَجَاءَهُ أَبُو جُنْدَلٍ فَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُو بَصِيرٍ فَرَدَّهُ فَقَتَلَ أَبُو بَصِيرٍ الْمَرْدُودَ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَدْ وَفَّيْتُ لَهُمْ وَنَجَّانِي اللَّهُ مِنْهُمْ فَلَمْ يَرُدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ فَكَانَ بِطَرِيقِ الشَّامِ يَقْطَعُ عَلَى كُلِّ مَالِ قُرَيْشٍ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَضُمَّهُ إلَيْهِ لِمَا نَالُوهُ مِنْ أَذَاهُ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ أَهْلُ الْمَغَازِي كَمَا وَصَفْت وَلَا يَحْضُرنِي ذِكْرُ إسْنَادِهِ فَأَعْرِفُ ثُبُوتَهُ مَنْ غَيْرِهِ

قَالَ وَإِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ أُسَارَى أَوْ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ رُسُلًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضَهُمْ أَوْ قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ زَنَوْا بِغَيْرِ حَرْبِيَّةٍ فَعَلَيْهِمْ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحُكْمُ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ فَعَلُوهُ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ لَوْ زَنَى أَحَدُهُمْ بِحَرْبِيَّةٍ إذَا ادَّعَى الشُّبْهَةَ وَلَا تُسْقِطُ دَارُ الْحَرْبِ عَنْهُمْ فَرْضًا كَمَا لَا تُسْقِطُ عَنْهُمْ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا زَكَاةً فَالْحُدُودُ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ حَدًّا وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِلْعَدُوِّ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَا يَمْنَعُنَا الْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ اللُّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ أَنْ نُقِيمَ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ فَعَلْنَا تَوَقِّيًا أَنْ يَغْضَبَ مَا أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ أَبَدًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَيُعَطَّلَ عَنْهُ حُكْمُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ثُمَّ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَدَّ بِالْمَدِينَةِ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهَا وَفِيهَا شِرْكٌ كَثِيرٌ مُوَادِعُونَ وَضَرَبَ الشَّارِبَ بِحُنَيْنٍ وَالشِّرْكُ قَرِيبٌ مِنْهُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بِلَادَ الْحَرْبِ فَوَجَدَ فِي أَيْدِيهِمْ أَسِيرًا أَوْ أُسَارَى رِجَالًا وَنِسَاءً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاشْتَرَاهُمْ وَأَخْرَجَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالشِّرَاءِ وَزَائِدًا أَنْ اشْتَرَى مَا لَيْسَ يُبَاعُ مِنْ الْأَحْرَارِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِمْ اشْتَرَاهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِمَا أَعْطَى فِيهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَعْطَى بِأَمْرِهِمْ وَإِذَا أُسِرَتْ الْمَرْأَةُ فَنَكَحَهَا بَعْضُ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ وَطِئَهَا بِلَا نِكَاحٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ لَمْ تُسْتَرَقَّ هِيَ وَلَا أَوْلَادُهَا لِأَنَّ أَوْلَادَهَا مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهَا فَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْحَقْ بِهِ هَذَا الْوَلَدُ وَلَحِقُوا بِالنِّكَاحِ الْمُشْرِكَ وَإِنْ كَانَ نِكَاحُهُ فَاسِدًا لِأَنَّهُ نِكَاحُ شُبْهَةٍ وَإِذَا أُسِرَ الْمُسْلِمُ فَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا تُنْكَحُ امْرَأَتُهُ إلَّا بَعْدَ يَقِينِ وَفَاتِهِ عَرَفَ مَكَانَهُ أَوْ خَفِيَ مَكَانُهُ وَكَذَلِكَ لَا يُقَسَّمُ مِيرَاثُهُ وَمَا صَنَعَ الْأَسِيرُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْمَسْجُونُ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي مَالِهِ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>