للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ نَفْسَك أَفْلَحْت كُلَّ الْفَلَاحِ» وَحَقَنَ بِإِسْلَامِهِ دَمَهُ وَلَمْ يُخْلِهِ بِالْإِسْلَامِ إذْ كَانَ بَعْدَ إسَارِهِ وَهَكَذَا مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَسْلَمَ حَقَنَ لَهُ إسْلَامُهُ دَمَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إسْلَامُهُ مِنْ الرِّقِّ إنْ رَأَى الْإِمَامُ اسْتِرْقَاقَهُ اسْتِدْلَالًا بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ بِالرَّجُلَيْنِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا فَهَذَا أَثْبَتَ عَلَيْهِ الرِّقَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهَذَا رَدٌّ لِقَوْلِ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا أَسْلَمَ أَهْلُ الْعَنْوَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ وَأَمْوَالُهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَرَكْنَا هَذَا اسْتِدْلَالًا بِالْخَبَرِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا فَادَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّمَا فَادَاهُ بِهِمَا أَنَّهُ فَكَّ الرِّقَّ عَنْهُ بِأَنْ خَلَّوْا صَاحِبَيْهِ. وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الرِّقُّ وَإِنْ أَسْلَمَ إذَا كَانَ مَنْ يَدْفَعُونَ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَسْتَرْقِ وَهَذَا الْعُقَيْلِيِّ لَا يُسْتَرَقُّ لِمَوْضِعِهِ فِيهِمْ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَخْرُجَ الْمُسْلِمُ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ إلَى بِلَادِ الشِّرْكِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا فَدَى صَاحِبَيْهِ فالعقيلي بَعْدَ إسْلَامِهِ وَبِلَادُهُ بِلَادُ شِرْكٍ فَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِدَاءُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا بالعقيلي وَرَدُّهُ إلَى بَلَدِهِ وَهِيَ أَرْضُ كُفْرٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُمْ لَا يَضُرُّونَهُ وَلَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْهِ لِقَدْرِهِ فِيهِمْ وَشَرَفِهِ عِنْدَهُمْ وَلَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ لَمْ يُرَدَّ إلَى قَوْمٍ يَقُومُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُرُّوهُ إلَّا فِي مِثْلِ حَالِ الْعُقَيْلِيِّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَفِدَاؤُهُ بالعقيلي والعقيلي لَا يُسْتَرَقُّ خِلَافُ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ: وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفْدَى بِمَنْ يُسْتَرَقُّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُفْدَى بِمِنْ يُسْتَرَقُّ جَازَ أَنْ يَبِيعَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.

الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَأْبَقُ إلَى أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ

سَأَلْت الشَّافِعِيَّ عَنْ الْعَدُوِّ يَأْبَقُ إلَيْهِمْ الْعَبْدُ أَوْ يَشْرُدُ الْبَعِيرُ أَوْ يُغِيرُونَ فَيَنَالُونَهُمَا أَوْ يَمْلِكُونَهُمَا أَسْهُمًا؟ قَالَ: لَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا تَقُولُ فِيهِمَا إذَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَاءَ أَصْحَابُهُمَا قَبْلَ أَنْ يُقْتَسَمَا؟ فَقَالَ: هُمَا لِصَاحِبِهِمَا فَقُلْت أَرَأَيْت إنْ وَقَعَا فِي الْمَقَاسِمِ؟ فَقَالَ: اخْتَلَفَ فِيهِمَا الْمُفْتُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهَا سَوَاءٌ لِصَاحِبِهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا لِصَاحِبِهِمَا قَبْلَ الْمَقَاسِمِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْمَقَاسِمِ وَصَارَا فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ صَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا مَا لَمْ يُقْسَمَا فَإِذَا قُسِمَا فَصَاحِبُهُمَا أَحَقُّ بِهِمَا بِالْقِيمَةِ: قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمَا اخْتَرْت مِنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ قُلْت فَمَعَ أَيِّ الْقَوْلَيْنِ الْآثَارُ وَالْقِيَاسُ؟ فَقَالَ: دَلَالَةُ السُّنَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَاذْكُرْ السُّنَّةَ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ «سُبِيَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ النَّاقَةُ قَدْ أُصِيبَتْ قَبِلَهَا» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): كَأَنَّهُ يَعْنِي نَاقَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ آخِرَ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ: «فَكَانَتْ تَكُونُ فِيهِمْ وَكَانُوا يَجِيئُونَ بِالنَّعَمِ إلَيْهِمْ فَانْفَلَتَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنْ الْوَثَاقِ فَأَتَتْ الْإِبِلَ فَجَعَلَتْ كُلَّمَا أَتَتْ بَعِيرًا مِنْهَا فَمَسَّتْهُ رَغَا فَتَرَكَتْهُ حَتَّى أَتَتْ تِلْكَ النَّاقَةَ فَمَسَّتْهَا فَلَمْ تَرْغُ وَهِيَ نَاقَةٌ هَدَرَةٌ فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ صَاحَتْ بِهَا فَانْطَلَقَتْ وَطُلِبَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَجَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>