للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ أَنْجَاهَا عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَلَمَّا قَدِمَتْ الْمَدِينَةَ عَرَفُوا النَّاقَةَ وَقَالُوا: نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالُوا وَاَللَّهِ لَا تَنْحَرِيهَا حَتَّى نُؤْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ فُلَانَةَ قَدْ جَاءَتْ عَلَى نَاقَتِك وَأَنَّهَا قَدْ جَعَلَتْ لِلَّهِ عَلَيْهَا إنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِئْسَ مَا جَزَتْهَا إنْ أَنْجَاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِيمَا لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَوْ قَالَ ابْنُ آدَمَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ قَدْ أَحْرَزَ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْأَنْصَارِيَّةَ انْفَلَتَتْ مِنْ إسَارِهِمْ عَلَيْهَا بَعْدَ إحرازهموها وَرَأَتْ أَنَّهَا لَهَا فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا قَدْ نَذَرَتْ فِيمَا لَا تَمْلِكُ وَلَا نَذْرَ لَهَا وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ وَلَوْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَعُدَّ أَخْذَ الْأَنْصَارِيَّةِ النَّاقَةَ أَنْ تَكُونَ مِلْكَهَا بِأَنَّهَا أَخَذَتْهَا وَلَا خُمُسَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُوجِفْ عَلَيْهَا وَقَدْ قَالَ بِهَذَا غَيْرُنَا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ أَوْ تَكُونُ مَلَكَتْ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهَا وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ أَوْ تَكُونُ مِنْ الْفَيْءِ الَّذِي لَمْ يُوجَفْ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَلَا أَحْفَظُ قَوْلًا لِأَحَدٍ أَنْ يَتَوَهَّمَهُ فِي هَذَا غَيْرَ أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَقَاوِيلِ. قَالَ: فَلَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَتَهُ دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مَا أَوْجَفُوا عَلَيْهِ بِخَيْلِهِمْ فَأَحْرَزُوهُ فِي دِيَارِهِمْ أَشْبَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُمْ مَا لَمْ يَمْلِكُوا هُمْ لِأَنْفُسِهِمْ قَبْلَ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَلَا بَعْدَهُ، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ كَانَ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ اُخْتُلِفَ فِيهِ؟ فَقَالَ: قَدْ يَذْهَبُ بَعْضُ السُّنَنِ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ عَلِمَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ بِهَا، قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: أَفَرَأَيْت مَنْ لَقِيت مِمَّنْ سَمِعَ هَذَا كَيْفَ تَرَكَهُ؟ فَقَالَ: لَمْ يَدَعْهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ كُلَّهُ، فَقُلْت: فَكَيْفَ كَانَ هَذَا؟ قَالَ: وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ هَذَا لِأَحَدٍ، فَقُلْت فَهَلْ ذَهَبَ فِيهِ إلَى شَيْءٍ؟ فَقَالَ: كَلَّمَنِي بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ فَقَالَ: وَهَكَذَا يَقُولُ فِيهِ الْمَقَاسِمُ فَيَصِيرُ عَبْدُ رَجُلٍ فِي سَهْمِ رَجُلٍ فَيَكُونُ مَفْرُوزًا مِنْ حَقِّهِ وَبِتَفَرُّقِ الْجَيْشِ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَتْبَعُهُ بِسَهْمِهِ فَيَنْقَلِبُ لَا سَهْمَ لَهُ. فَقُلْت لَهُ: أَفَرَأَيْت لَوْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ حُرٌّ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ لِرَجُلٍ؟ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِهِ وَيُعَوَّضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَقُلْت لَهُ: وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحُرُّ الْحُرِّيَّةَ وَلَا مَالِكُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَّا بَعْدَ تَفَرُّقِ الْجَيْشِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَيُعَوَّضُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَقُلْت لَهُ: وَمَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي عَبْدِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ يَخْرُجُ مِنْ يَدَيْ مَنْ صَارَ سَهْمُهُ وَيُعَوَّضُ مِنْهُ قِيمَتُهُ. فَقَالَ مِنْ أَيْنَ يُعَوَّضُ؟ قُلْت: مِنْ الْخُمُسِ خَاصَّةً. قَالَ: وَمِنْ أَيِّ الْخُمُسِ؟ قُلْت سَهْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يَضَعُهُ فِي الْأَنْفَالِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقَالَ لِي قَائِلٌ: تَوَلَّ الْجَوَابَ عَمَّنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَالِ أَحَقُّ بِهِ قَبْلَ الْمَقَاسِمِ وَبَعْدَهُ قُلْت فَاسْأَلْ فَقَالَ: مَا حُجَّتُك فِيهِ؟ قُلْت: مَا وَصَفْت مِنْ السُّنَّةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْخَبَرُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ السُّنَّةَ إذَا دَلَّتْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا بِحَالٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْلِكُوا عَلَيْهِمْ بِحَالٍ أُخْرَى إلَّا بِسُنَّةٍ مِثْلِهَا. فَقَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت: إنِّي إذَا أَعْطَيْت أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ إذَا وَجَدَ عَبْدَهُ قَبْلَ مَا يُحْرِزُهُ الْعَدُوُّ ثُمَّ يُحْرِزُهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَدُوِّ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ أَعْطَيْت أَنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَمْلِكُوهُ مِلْكًا يَتِمُّ لَهُمْ وَلَوْ مَلَكُوهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>