للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إضَافَةُ اسْمِ مِلْكٍ إلَيْهِ لَا حَقِيقَةٌ كَمَا يُقَالُ لِلْمُعَلِّمِ غِلْمَانُك وَلِلرَّاعِي غَنَمُك وَلِلْقَيِّمِ عَلَى الدَّارِ دَارُك إذَا كَانَ يَقُومُ بِأَمْرِهَا فَلَا يَحِلُّ - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَحَلَّ التَّسَرِّيَ لِلْمَالِكِينَ وَالْعَبْدُ لَا يَكُونُ مَالِكًا بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ مِنْ عَبْدٍ قَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ مُدَبَّرٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ بِمِلْكِ يَمِينٍ بِحَالٍ حَتَّى يَعْتِقَ، وَالنِّكَاحُ يُحَالُ لَهُ بِإِذْنِ مَالِكِهِ وَإِنْ تَسَرَّى الْعَبْدُ فَلِسَيِّدِهِ نَزْعُ السُّرِّيَّةِ مِنْهُ وَتَزْوِيجُهُ إيَّاهَا إنْ شَاءَ.

وَلَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَسَرَّى أَمَةً أَوْ مُكَاتَبٌ وَقَدْ وَلَدَتْ لَهُ لَمْ تَكُنْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ حَتَّى يُصِيبَهَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَتَلِدُ، وَلَوْ تَسَرَّى عَبْدٌ قَدْ عَتَقَ بَعْضُهُ أَمَةً مَلَّكَهُ إيَّاهَا سَيِّدُهُ فَوَلَدَتْ لَهُ ثُمَّ عَتَقَ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا، وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَخَذَ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنْ الرِّقِّ كَأَنَّهُ كَانَ وَهَبَهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْتِقَ وَهُوَ يَمْلِكُ نِصْفَهُ فَالنِّصْفُ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لِأَنَّ مِلْكَ مَا يَمْلِكُ مِنْهُ لِسَيِّدِهِ.

قَالَ: وَإِذَا وَطِئَ عَبْدٌ أَوْ مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ أَوْ مُكَاتَبٌ جَارِيَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَدُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ عَتَقَ وَمَلَكَهَا كَانَ لَهُ بَيْعُهَا وَلَا تَكُونَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ يَمْنَعُهُ بَيْعُهَا مَنْ لَمْ يَبِعْ أُمَّ الْوَلَدِ إلَّا بِأَنْ يُصِيبَهَا بَعْدَمَا يَصِيرُ حُرًّا مَالِكًا، فَإِنْ قِيلَ قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ تَسَرَّى الْعَبْدُ قِيلَ نَعَمْ وَخِلَافُهُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إلَّا وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ، فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؟ قُلْت ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَالَ لَيْسَ لَك طَلَاقٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فَأَبَى فَقَالَ فَهِيَ لَك فَاسْتَحَلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ يُرِيدُ أَنَّهَا لَهُ حَلَالٌ بِالنِّكَاحِ وَلَا طَلَاقَ لَك وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا وَصَفْت لَك مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ مِنْ الْعَبِيدِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ.

فَسْخُ نِكَاحِ الزَّوْجَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} إلَى قَوْلِهِ {وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): نَزَلَتْ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ وَعَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} فَاعْرِضُوا عَلَيْهِنَّ الْإِيمَانَ فَإِنْ قَبِلْنَ وَأَقْرَرْنَ بِهِ فَقَدْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ. وَكَذَلِكَ عَلِمَ بَنِي آدَمَ الظَّاهِرَ: وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} يَعْنِي بِسَرَائِرِهِنَّ فِي إيمَانِهِنَّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرٍ وَمَعْنَى الْآيَتَيْنِ وَاحِدٌ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ وَثَنِيَّيْنِ فَأَيُّهُمَا أَسْلَمَ أَوَّلًا فَالْجِمَاعُ مَمْنُوعٌ حَتَّى يُسْلِمَ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} وَقَوْلُهُ {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَاحْتَمَلَتْ الْعُقْدَةُ أَنْ تَكُونَ مُنْفَسِخَةً إذَا كَانَ الْجِمَاعُ مَمْنُوعًا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخَرُ مُشْرِكًا أَنْ يَبْتَدِئَ النِّكَاحَ، وَاحْتَمَلَتْ الْعُقْدَةُ أَنْ لَا تَنْفَسِخَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْمُتَخَلِّفُ عَنْ الْإِسْلَامِ مِنْهُمَا عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْهُ مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ إذَا جَاءَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا تَنْقَطِعُ الْعِصْمَةُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِ مِنْهُمَا عَنْ الْإِسْلَامِ مُدَّةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ إلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَهْلِ الْمَغَازِي وَغَيْرِهِمْ عَنْ عَدَدٍ قَبْلَهُمْ «أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَسْلَمَ بِمَرٍّ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرٌ عَلَيْهَا فَكَانَتْ بِظُهُورِهِ وَإِسْلَامِ أَهْلِهَا دَارَ الْإِسْلَامِ، وَامْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كَافِرَةٌ بِمَكَّةَ. وَمَكَّةُ يَوْمَئِذٍ دَارُ الْحَرْبِ. ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهَا يَدْعُوهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>