للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ سَاكِنَانِ وَقَدْ افْتَرَقَا أَوْ لَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ مَاتَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُمَا أَوْ وَرَثَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَالْمَتَاعُ إذَا كَانَا سَاكِنِي الْبَيْتِ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي أَيْدِيَهُمَا كَمَا تَكُونُ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا فَالْمَتَاعُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَمْلِكُ مَتَاعَ النِّسَاءِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ قَدْ تَمْلِكُ مَتَاعَ الرِّجَالِ بِالشِّرَاءِ وَالْمِيرَاثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ هَذَا مُمْكِنًا وَكَانَ الْمَتَاعُ فِي أَيْدِيهِمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ إلَّا بِهَذَا لِكَيْنُونَةِ الشَّيْءِ فِي أَيْدِيهِمَا وَقَدْ اسْتَحَلَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَاطِمَةَ بِبَدَنٍ مِنْ حَدِيدٍ. وَهَذَا مِنْ مَتَاعِ الرِّجَالِ وَقَدْ كَانَتْ فَاطِمَةُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَالِكَةً لِلْبَدَنِ دُونَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ رَأَيْت امْرَأَةً بَيْنِي وَبَيْنَهَا ضَبَّةُ سَيْفٍ اسْتَفَادَتْهُ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَدِرْعٍ وَمُصْحَفٍ فَكَانَ لَهَا دُونَ إخْوَتِهَا وَرَأَيْت مَنْ وَرِثَ أُمَّهُ وَأُخْتَه فَاسْتَحْيَا مِنْ بَيْعِ مَتَاعِهِمَا فَصَارَ مَالِكًا لِمَتَاعِ النِّسَاءِ فَإِذَا كَانَ هَذَا مَوْجُودًا فَلَا يَجُوزُ فِيهِ غَيْرُ مَا وَصَفْت وَلَوْ أَنَّا كُنَّا إنَّمَا نَقْضِي بِالظُّنُونِ بِقَدْرِ مَا يَرَى الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مَالِكَيْنِ فَوَجَدْنَا مَتَاعًا فِي يَدَيْ رِجْلَيْنِ يَتَدَاعَيَانِهِ فَكَانَ فِي الْمَتَاعِ يَاقُوتٌ وَلُؤْلُؤٌ وَعِلْيَةٌ مِنْ عِلْيَةِ الْمَتَاعِ وَأَحَدُ الرَّجُلَيْنِ مِمَّنْ يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَتَاعِ وَالْآخَرُ لَيْسَ الْأَغْلَبُ مِنْ مِثْلِهِ أَنَّهُ يَمْلِكُ مِثْلَ ذَلِكَ الْمَتَاعِ جَعَلْنَا عِلْيَةَ الْمَتَاعِ لِلْمُوسِرِ الَّذِي هُوَ أَوَّلَاهُمَا فِي الظَّاهِرِ بِمُلْكِ مِثْلِهِ وَجَعَلْنَا سَفَلَةَ الْمَتَاعِ إنْ كَانَ فِي يَدَيْ مُوسِرٍ وَمُعْسِرٍ لِلْمُعْسِرِ دُونَ الْمُوسِرِ فَخَالَفْنَا مَا اُجْتُمِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ أَنَّ الدَّارَ إذَا كَانَتْ فِي يَدَيْ رَجُلَيْنِ فَتَدَاعَيَاهَا جُعِلَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى أَشْبَهِهِمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِلْكُ تِلْكَ الدَّارِ فَنُعْطِيَهُ إيَّاهَا وَهَذَا الْعَدْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْإِجْمَاعُ وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ فِي يَدَيْ اثْنَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بِالْقِيَاسِ الْأَصْلَ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ وَيُقَالُ لِمَنْ يَقُولُ اجْعَلْ مَتَاعَ النِّسَاءِ لِلنِّسَاءِ وَمَتَاعَ الرِّجَالِ لِلرِّجَالِ أَرَأَيْت دَبَّاغًا وَعَطَّارًا كَانَا فِي حَانُوتٍ فِيهِ عِطْرٌ وَدِبَاغٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي الْعِطْرَ وَالدِّبَاغَ أَيَلْزَمُك أَنْ تُعْطِيَ الْعَطَّارَ الْعِطْرَ وَالدَّبَّاغَ الدِّبَاغَ؟ فَإِنْ قُلْت إنِّي أَقْسِمُهُ بَيْنَهُمَا قِيلَ لَك فَلِمَ لَا تَقْسِمُ الْمَتَاعَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَتَاعُ الَّذِي يُشْبِهُ الرِّجَالَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِثْلُ الدَّبَّاغِ وَالْعَطَّارِ؟

الِاسْتِبْرَاءُ

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَصْلُ الِاسْتِبْرَاءِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَامَ سَبْيِ أَوْطَاسٍ أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ أَوْ تُوطَأَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» وَفِي هَذَا دَلَالَاتٌ مِنْهَا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَمَةً لَمْ يَطَأْهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ كَانَتْ عِنْدَ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ أَوْ تُوطَأَ أَوْ لَا تُوطَأَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً وَلَا نَشُكُّ أَنَّ فِيهِنَّ أَبْكَارًا وَحَرَائِرَ كُنَّ قَبْلَ أَنْ يستأمين وَإِمَاءً وَضِيعَاتٍ وَشَرِيفَاتٍ وَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِنَّ كُلِّهِنَّ وَالنَّهْيُ وَاحِدٌ وَفِي مِثْلِ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلَّ مِلْكٍ اسْتَحْدَثَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَجُزْ

<<  <  ج: ص:  >  >>