للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعَاوِيَة جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ " إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَأَنَّهُ لَا يُعْطِينِي وَوَلَدِي إلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ؟ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ " (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانٌ أَنَّ الْإِجَارَةَ جَائِزَةٌ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسَ إذْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَالرَّضَاعُ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ صَبِيٌّ أَكْثَرَ رَضَاعًا مِنْ صَبِيٍّ وَتَكُونُ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ لَبَنًا مِنْ امْرَأَةٍ وَيَخْتَلِفُ لَبَنُهَا فَيَقِلُّ وَيَكْثُرُ فَتَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ أَقْرَبُ مِمَّا يُحِيطُ الْعِلْمُ بِهِ مِنْ هَذَا فَتَجُوزُ الْإِجَارَاتُ عَلَى خِدْمَةِ الْعَبْدِ قِيَاسًا عَلَى هَذَا وَتَجُوزُ فِي غَيْرِهِ مِمَّا يَعْرِفُ النَّاسُ قِيَاسًا عَلَى هَذَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبَيَانٌ أَنَّ عَلَى الْوَالِدِ نَفَقَةَ الْوَلَدِ دُونَ أُمِّهِ كَانَتْ أُمُّهُ مُتَزَوِّجَةً أَوْ مُطَلَّقَةً وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْمِيرَاثِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأُمَّ وَارِثَةٌ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ وَالرَّضَاعِ عَلَى الْأَبِ دُونَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} مِنْ أَنْ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا لَا أَنَّ عَلَيْهَا الرَّضَاعَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يُغْنِي نَفْسَهُ فِيهَا فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مِنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُضِيعَ شَيْئًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ إنْ كَبِرَ الْوَلَدُ زَمَنًا لَا يُغْنِي نَفْسَهُ وَلَا عِيَالَهُ وَلَا حِرْفَةً لَهُ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْوَالِدُ وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْوَلَدِ لِأَنَّهُمْ وَلَدٌ وَيُؤْخَذُ بِذَلِكَ الْأَجْدَادُ لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ وَكَانَتْ نَفَقَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ إذَا صَارَ الْوَالِدُ فِي الْحَالِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُغْنِي فِيهَا نَفْسَهُ أَوْجَبُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْوَالِدِ وَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَعْظَمُ وَكَذَلِكَ الْجَدُّ وَأَبُو الْجَدِّ وَآبَاؤُهُ فَوْقَهُ وَإِنْ بَعُدُوا لِأَنَّهُمْ آبَاءٌ قَالَ وَإِذَا كَانَتْ هِنْدٌ زَوْجَةً لِأَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ الْقَيِّمَ عَلَى وَلَدِهَا لِصِغَرِهِمْ بِأَمْرِ زَوْجِهَا فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ فَمِثْلُهَا الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ فَيَمْنَعُهُ إيَّاهُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ وَجَدَهُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَكَذَلِكَ حَقُّ وَلَدِهِ الصِّغَارِ وَحَقُّ مَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَالِهِ مِمَّنْ تَوَكَّلَهُ أَوْ كَفَلَهُ قَالَ وَإِنْ وَجَدَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ مَالَهُ بِعَيْنِهِ كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ إنْ كَانَ طَعَامًا فَطَعَامُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَ لَا مِثْلَ لَهُ كَانَتْ لَهُ قِيمَةُ مِثْلِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ كَأَنَّ غَصَبَهُ عَبْدًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَلَهُ قِيمَتُهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لِلَّذِي غَصَبَهُ دَنَانِيرَ وَلَا دَرَاهِمَ وَوَجَدَ لَهُ عَرْضًا كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ عَرْضَهُ الَّذِي وَجَدَ فَيَسْتَوْفِيَ قِيمَةَ حَقِّهِ وَيَرُدَّ إلَيْهِ فَضْلَهُ إنْ كَانَ فِيمَا بَاعَ لَهُ وَإِنْ كَانَ بِبَلَدٍ الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّنَانِيرُ بَاعَهُ بِدَنَانِيرَ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ بِهِ الدَّرَاهِمَ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ قَالَ وَإِنْ غَصَبَهُ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَتَّى نَقَصَ ثَمَنُهُ، أَوْ عَبْدًا فَاسْتَخْدَمَهُ حَتَّى كُسِرَ، أَوْ أَعْوَرَ عِنْدَهُ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَعَبْدَهُ وَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ مَا نَقَصَ ثَوْبُهُ وَعَبْدُهُ عَلَى مَا وَصَفْنَا.

نَفَقَةُ الْمَمَالِيكِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَجْلَانَ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): عَلَى مَالِكِ الْمَمْلُوكِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى الْبَالِغَيْنِ إذَا حَبَسَهُمَا فِي عَمَلٍ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمَا وَيَكْسُوَهُمَا بِالْمَعْرُوفِ وَذَلِكَ نَفَقَةُ رَقِيقِ بَلَدِهِمَا الشِّبَعُ لِأَوْسَاطِ

<<  <  ج: ص:  >  >>