للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْدُثُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُكَفُّ عَنْهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَ تِلَاوَةِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَّةِ طَلَبُ الدَّلَائِلِ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحَتْمِ وَالْمُبَاحِ وَالْإِرْشَادِ الَّذِي لَيْسَ بِحَتْمٍ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مَعًا

(قَالَ): فَحَتْمٌ لَازِمٌ لِأَوْلِيَاءِ الْأَيَامَى وَالْحَرَائِرِ البوالغ إذَا أَرَدْنَ النِّكَاحَ وَدُعُوا إلَى رِضًا مِنْ الْأَزْوَاجِ أَنْ يُزَوِّجُوهُنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ شَبَهَ عَلَى أَحَدٍ أَنَّ مُبْتَدَأَ الْآيَةِ عَلَى ذِكْرِ الْأَزْوَاجِ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَضْلِ الْأَوْلِيَاءَ لِأَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ فَبَلَغَتْ الْمَرْأَةُ الْأَجَلَ فَهُوَ أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْهَا فَكَيْفَ يَعْضُلُهَا مَنْ لَا سَبِيلَ وَلَا شِرْكَ لَهُ فِي أَنْ يَعْضُلَهَا فِي بَعْضِهَا؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ تَحْتَمِلُ إذَا قَارَبْنَ بُلُوغَ أَجَلِهِنَّ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْأَزْوَاجِ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَا هَذَا الْمَعْنَى وَأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُهُ لِأَنَّهَا إذَا قَارَبَتْ بُلُوغَ أَجَلِهَا أَوْ لَمْ تَبْلُغْهُ فَقَدْ حَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا أَنْ تُنْكَحَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} فَلَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ النِّكَاحِ مَنْ قَدْ مَنَعَهَا مِنْهُ إنَّمَا يَأْمُرُ بِأَنْ لَا يَمْتَنِعَ مِمَّا أَبَاحَ لَهَا مَنْ هُوَ بِسَبَبٍ مِنْ مَنْعِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَدْ حَفِظَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلًا فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ طَلَبَ نِكَاحَهَا وَطَلَبَتْهُ فَقَالَ زَوَّجْتُك دُونَ غَيْرِك أُخْتِي ثُمَّ طَلَّقْتهَا لَا أُنْكِحُك أَبَدًا فَنَزَلَتْ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} إلَى " أَزْوَاجَهُنَّ " قَالَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَتِمُّ بِرِضَا الْوَلِيِّ مَعَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي ذِكْرِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسُّنَّةُ تَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ أَنَّ عَلَى وَلِيِّ الْحُرَّةِ أَنْ يَنْكِحَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» وَقَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا كَانَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَكَانَ النِّكَاحُ يَتِمُّ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا النِّكَاحَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّلْطَانَ يُنْكِحُ الْمَرْأَةَ لَا وَلِيَّ لَهَا وَالْمَرْأَةُ لَهَا وَلِيٌّ يَمْتَنِعُ مِنْ إنْكَاحِهَا إذَا أَخْرَجَ الْوَلِيُّ نَفْسَهُ مِنْ الْوِلَايَةِ بِمَعْصِيَتِهِ بِالْعَضْلِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُثْبَتَانِ فِي كِتَابِ الْأَوْلِيَاءِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ فِي مَعْنَى الْأَيَامَى الَّذِينَ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إذَا كَانَ مَوْلًى بَالِغًا يَحْتَاجُ إلَى النِّكَاحِ وَيَقْدِرُ بِالْمَالِ فَعَلَى وَلِيِّهِ إنْكَاحُهُ فَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ وَالسُّنَّةُ فِي الْمَرْأَةِ خَاصَّةً لَزِمَ ذَلِكَ عِنْدِي الرَّجُلَ لِأَنَّ مَعْنَى الَّذِي أُرِيدَ بِهِ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْعَفَافُ لِمَا خُلِقَ فِيهَا مِنْ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْفِتْنَةِ وَذَلِكَ فِي الرَّجُلِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ}

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ الرَّجُلُ وَلِيَّ نَفْسِهِ وَالْمَرْأَةِ أَحْبَبْت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النِّكَاحَ إذَا كَانَ مِمَّنْ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ وَرَضِيَهُ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَجَعَلَ فِيهِ أَسْبَابَ مَنَافِعَ قَالَ {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} وَقِيلَ إنَّ الْحَفَدَةَ الْأَصْهَارُ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمْ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ» وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ» وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ» وَيُقَالُ إنَّ الرَّجُلَ لَيُرْفَعُ بِدُعَاءِ وَلَدِهِ مِنْ بَعْدِهِ (قَالَ): وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَا رَأَيْت مِثْلَ مَنْ تَرَكَ النِّكَاحَ بَعْدَ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>