للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَحْتَمِلَانِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِنْهُمَا إذَا خَطَبَ غَيْرُهُ امْرَأَةً أَنْ لَا يَخْطُبَهَا حَتَّى تَأْذَنَ أَوْ يَتْرُكَ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ الْخَاطِبَ أَوْ سَخِطَتْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ رِضَا الْمَخْطُوبَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْخَاطِبُ الْآخَرُ أَرْجَحَ عِنْدَهَا مِنْ الْخَاطِبِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَضِيَتْهُ تَرَكَتْ مَا رَضِيَتْ بِهِ الْأَوَّلَ فَكَانَ هَذَا فَسَادًا عَلَيْهِ وَفِي الْفَسَادِ مَا يُشْبِهُ الْإِضْرَارَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْمَعْنَيَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَوْلَاهُمَا أَنْ يُقَالَ بِهِ مَا وَجَدْنَا الدَّلَالَةَ تُوَافِقُهُ فَوَجَدْنَا الدَّلَالَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ أَنْهَى أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ رَاضِيَةً (قَالَ): وَرِضَاهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَنْ تَأْذَنَ بِالنِّكَاحِ بِنَعَمْ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا أَنْ تَسْكُتَ فَيَكُونَ ذَلِكَ إذْنَهَا وَقَالَ لِي قَائِلٌ أَنْتَ تَقُولُ: الْحَدِيثُ عَلَى عُمُومِهِ وَظُهُورِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَعْنًى غَيْرَ الْعَامِّ وَالظَّاهِرِ حَتَّى تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ قُلْت: فَكَذَلِكَ أَقُولُ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَإِنْ لَمْ تُظْهِرْ الْمَرْأَةُ رِضَا أَنَّهُ لَا يَخْطُبُ حَتَّى يَتْرُكَ الْخِطْبَةَ فَكَيْفَ صِرْت فِيهِ إلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ الْحَدِيثُ بَاطِنًا خَاصًّا دُونَ ظَاهِرٍ عَامٍّ؟ قُلْت بِالدَّلَالَةِ قَالَ وَمَا الدَّلَالَةُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا إذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْت أَخْبَرْته أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ فَكَرِهَتْهُ فَقَالَ انْكِحِي أُسَامَةَ فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت بِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقُلْت لَهُ قَدْ أَخْبَرَتْهُ فَاطِمَةُ أَنَّ رَجُلَيْنِ خَطَبَاهَا وَلَا أَحْسِبُهُمَا يَخْطُبَانِهَا إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ خِطْبَةُ أَحَدِهِمَا خِطْبَةَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَلَّ مَا يَخْطُبُ اثْنَانِ مَعًا فِي وَقْتٍ فَلَمْ تَعْلَمْهُ قَالَ لَهَا مَا كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ يَخْطُبَك وَاحِدٌ حَتَّى يَدَعَ الْآخَرُ خِطْبَتَك وَلَا قَالَ ذَلِكَ لَهَا وَخَطَبَهَا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِهَا أَنَّهَا رَضِيَتْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَا سَخِطَتْهُ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مُرْتَادَةٌ وَلَا رَاضِيَةٌ بِهِمَا وَلَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمُنْتَظِرَةٌ غَيْرَهُمَا أَوْ مُمِيلَةٌ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أُسَامَةَ وَنَكَحَتْهُ دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْخِطْبَةَ وَاسِعَةٌ لِلْخَاطِبَيْنِ مَا لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ أَرَأَيْت إنْ قُلْت هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ «لَا يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» وَهُوَ نَاسِخٌ لَهُ؟ فَقُلْت لَهُ أَوَيَكُونُ نَاسِخٌ أَبَدًا إلَّا مَا يُخَالِفُهُ الْخِلَافُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا؟ قَالَ لَا قُلْت أَفَيُمْكِنُ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ الْحَالَ الَّتِي يَخْطُبُ الْمَرْءُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ بَعْدَ الرِّضَا مَكْرُوهَةٌ وَقَبْلَ الرِّضَا غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ لِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الرِّضَا وَبَعْدَهُ؟ قَالَ نَعَمْ.

قُلْت لَهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُطْرَحَ حَدِيثٌ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ وَلَا يَدْرِي أَيُّهُمَا النَّاسِخُ أَرَأَيْت إنْ قَالَ قَائِلٌ: حَدِيثُ فَاطِمَةَ النَّاسِخُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ بِكُلِّ حَالٍ مَا حُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ حُجَّتِك عَلَى مَنْ خَالَفَك فَقَالَ أَنْتَ وَنَحْنُ نَقُولُ إذَا احْتَمَلَ الْحَدِيثَانِ أَنْ يُسْتَعْمَلَا لَمْ يُطْرَحْ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَأَبِنْ لِي ذَلِكَ قُلْت لَهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَأَرْخَصَ فِي أَنْ يُسْلِفَ فِي الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَهَذَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَقُلْت النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك بِعَيْنِهِ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْك فَأَمَّا الْمَضْمُونُ فَهُوَ بَيْعُ صِفَةٍ فَاسْتَعْمَلْنَا الْحَدِيثَيْنِ مَعًا قَالَ هَكَذَا نَقُولُ قُلْت هَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْك قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ لَا يَخْطُبُ رَضِيَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>