للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُضْرَبْنَ وَنَخْتَارُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا اخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُحِبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَضْرِبَ امْرَأَتَهُ فِي انْبِسَاطِ لِسَانِهَا عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَشْبَهَ مَا سَمِعْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي قَوْلِهِ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أَنَّ لِخَوْفِ النُّشُوزِ دَلَائِلَ فَإِذَا كَانَتْ {فَعِظُوهُنَّ} لِأَنَّ الْعِظَةَ مُبَاحَةٌ فَإِنْ لَجَجْنَ فَأَظْهَرْنَ نُشُوزًا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} فَإِنْ أَقَمْنَ بِذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ " فَاضْرِبُوهُنَّ " وَذَلِكَ بَيِّنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هِجْرَةٌ فِي الْمَضْجَعِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَا ضَرْبٌ إلَّا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ هُمَا (قَالَ): وَيُحْتَمَلُ فِي {تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} إذَا نَشَزْنَ فَبَانَ النُّشُوزُ فَكُنَّ عَاصِيَاتٍ بِهِ أَنْ تَجْمَعُوا عَلَيْهِنَّ الْعِظَةَ وَالْهِجْرَةَ وَالضَّرْبَ (قَالَ): وَلَا يَبْلُغُ فِي الضَّرْبِ حَدًّا وَلَا يَكُونُ مُبَرِّحًا وَلَا مُدْمِيًا وَيَتَوَقَّى فِيهِ الْوَجْهَ (قَالَ): وَيَهْجُرُهَا فِي الْمَضْجَعِ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ النُّشُوزِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهَا فِي هِجْرَةِ الْكَلَامِ ثَلَاثًا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَبَاحَ الْهِجْرَةَ فِي الْمَضْجَعِ.

وَالْهِجْرَةُ فِي الْمَضْجَعِ تَكُونُ بِغَيْرِ هِجْرَةِ كَلَامٍ «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُجَاوِزَ بِالْهِجْرَةِ فِي الْكَلَامِ ثَلَاثًا» (قَالَ): وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَضْرِبَ وَلَا يَهْجُرَ مَضْجَعًا بِغَيْرِ بَيَانِ نُشُوزِهَا (قَالَ): وَأَصْلُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنْ لَا قَسْمَ لِلْمُمْتَنِعَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَلَا نَفَقَةَ مَا كَانَتْ مُمْتَنِعَةً لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبَاحَ هِجْرَةَ مَضْجَعِهَا وَضَرْبَهَا فِي النُّشُوزِ وَالِامْتِنَاعُ نُشُوزٌ (قَالَ): وَمَتَى تَرَكَتْ النُّشُوزَ لَمْ تَحِلَّ هِجْرَتُهَا وَلَا ضَرْبُهَا وَصَارَتْ عَلَى حَقِّهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلَ النُّشُوزِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وَقَوْلِهِ {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مِنْ مُؤْنَتِهَا وَلَهُ عَلَيْهَا مِمَّا لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ.

الْحَكَمَيْنِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أَرَادَ فَأَمَّا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَإِنَّ خَوْفَ الشِّقَاقِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَدَّعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مَنْعَ الْحَقِّ وَلَا يَطِيبُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ بِإِعْطَاءِ مَا يَرْضَى بِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ مَا بَيْنَهُمَا بِفُرْقَةٍ وَلَا صُلْحٍ وَلَا تَرْكِ الْقِيَامِ بِالشِّقَاقِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ فِي نُشُوزِ الْمَرْأَةِ بِالْعِظَةِ وَالْهِجْرَةِ وَالضَّرْبِ وَلِنُشُوزِ الرَّجُلِ بِالصُّلْحِ فَإِذَا خَافَا أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَنَهَى إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ أَنْ يَأْخُذَ مِمَّا آتَاهَا شَيْئًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِذَا ارْتَفَعَ الزَّوْجَانِ الْمَخُوفُ شِقَاقُهُمَا إلَى الْحَاكِمِ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مِنْ أَهْلِ الْقَنَاعَةِ وَالْعَقْلِ لِيَكْشِفَا أَمْرَهُمَا وَيُصْلِحَا بَيْنَهُمَا إنْ قَدَرَا (قَالَ): وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُمَا بِفُرْقَانٍ إنْ رَأَيَا إلَّا بِأَمْرِ الزَّوْجِ وَلَا يُعْطِيَا مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ إلَّا بِإِذْنِهَا (قَالَ): فَإِنْ اصْطَلَحَ الزَّوْجَانِ وَإِلَّا كَانَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ حَقٍّ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَأَدَبٍ (قَالَ): وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا ذَكَرَ أَنَّهُمَا {إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} وَلَمْ يَذْكُرْ تَفْرِيقًا (قَالَ): وَأَخْتَارُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِالْحَكَمَيْنِ وَيُوَكِّلَاهُمَا مَعًا فَيُوَكِّلُهُمَا الزَّوْجُ إنْ رَأَيَا أَنْ يُفَرِّقَا بَيْنَهُمَا فَرْقًا عَلَى مَا رَأَيَا مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ أَوْ غَيْرِ أَخْذِهِ إنْ اُخْتُبِرَا تَوَلَّيَا مِنْ الْمَرْأَةِ عَنْهُ (قَالَ): وَإِنْ جَعَلَ إلَيْهِمَا إنْ رَضِيَتْ بِكَذَا وَكَذَا فَأَعْطِيَاهَا ذَلِكَ عَنِّي وَاسْأَلَاهَا أَنْ تَكُفَّ عَنِّي كَذَا وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُوَكِّلَهُمَا إنْ شَاءَتْ بِأَنْ يُعْطِيَا عَنْهَا فِي الْفُرْقَةِ شَيْئًا تُسَمِّيهِ إنْ رَأَيَا أَنَّهُ لَا يُصْلِحُ الزَّوْجَ غَيْرُهُ وَإِنْ رَأَيَا أَنْ يُعْطِيَاهُ أَنْ يَفْعَلَا أَوْ لَهُ كَذَا وَيَتْرُكُ لَهَا كَذَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجَانِ

<<  <  ج: ص:  >  >>