للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَالِغٌ غَيْرُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ جَازَ طَلَاقُهُ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ فَسَوَاءٌ كَانَ صَحِيحًا حِينَ يُطَلِّقُ أَوْ مَرِيضًا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ، فَإِنْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْ تَطْلِيقَةً لَمْ يَبْقَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ غَيْرُهَا أَوْ لَاعَنَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ فَحُكْمُهُ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ عَلَى الزَّوْجَةِ وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ فُرْقَةٍ وَقَعَتْ بَيْنَهُمَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا فِيهَا رَجْعَةٌ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الزَّوْجُ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَرِثُهُ وَذَهَبَ إلَى أَنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ إذَا كَانَ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ سَوَاءٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَإِنَّ الزَّوْجَ لَا يَرِثُ الْمَرْأَةَ لَوْ مَاتَتْ فَكَذَلِكَ لَا تَرِثُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إنَّمَا وَرَّثَ الزَّوْجَةَ مِنْ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَ مِنْ الزَّوْجَةِ مَا كَانَا زَوْجَيْنِ وَهَذَانِ لَيْسَا بِزَوْجَيْنِ وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَتَكُونُ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فَتَرِثُ وَتُورَثُ، وَذَهَبَ إلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا وَهَذِهِ لَا تَعْتَدُّ مِنْ الْوَفَاةِ وَإِلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا كَانَتْ وَارِثَةً إنْ مَاتَ زَوْجُهَا كَانَتْ مَوْرُوثَةً إنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ وَهَذِهِ لَا يَرِثُهَا الزَّوْجُ، وَذَهَبَ إلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تُغَسِّلُ الزَّوْجَ وَيُغَسِّلُهَا وَهَذِهِ لَا تُغَسِّلُهُ وَلَا يُغَسِّلُهَا وَإِلَى أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَكُلُّ هَذَا يُبَيِّنُ أَنْ لَيْسَتْ زَوْجَةً، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ صَحَّ الزَّوْجُ بَعْدَ الطَّلَاقِ أَوْ لَمْ يَصِحَّ أَوْ نَكَحَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ لَمْ تَنْكِحْ وَلَمْ يُوَرِّثْهَا مِنْهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ وَلَا هُوَ مِنْهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا سَاعَةَ يَمُوتُ أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ بِيَوْمٍ ثَلَاثًا لَمْ تَرِثْ فِي هَذَا الْقَوْلِ بِحَالٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي رَوَّادٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ الْمَرْأَةَ فَيَبُتُّهَا ثُمَّ يَمُوتُ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ طَلَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فَبَتَّهَا ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنْ يُوَرِّثَ الْمَرْأَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا رَجْعَةٌ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ مَرِيضٌ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنْ نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ تَرِثُهُ مَا امْتَنَعَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَرِثُهُ مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ فَإِذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَرِثْهُ. وَهَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ.

(الرَّبِيعُ) وَقَدْ اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ فَقَالَ لَا تَرِثُ الْمَبْتُوتَةُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرَ أَنِّي أَيَّمَا قُلْت فَإِنِّي أَقُولُ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إذَا طَلَّقَهَا مَرِيضًا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَنَكَحَتْ لِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ مُتَّصِلٌ وَهُوَ يَقُولُ وَرَّثَهَا عُثْمَانُ فِي الْعِدَّةِ وَحَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ مُنْقَطِعٌ وَأَيَّهمَا قُلْت فَإِنْ صَحَّ بَعْدَ الطَّلَاقِ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَرِثْهُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا فَأَيَّهمَا قُلْت فَلَهَا نِصْفُ مَا سَمَّى لَهَا إنْ كَانَ سَمَّى لَهَا شَيْئًا وَلَهَا الْمُتْعَةُ إنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى لَهَا شَيْئًا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا مِنْ طَلَاقٍ وَلَا وَفَاةٍ. وَلَا تَرِثُهُ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا وَأَيَّهمَا قُلْت فَلَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ أَصَابَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ وَهُوَ مُسْلِمٌ طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ هَذِهِ وَعَتَقَتْ هَذِهِ ثُمَّ مَاتَ مَكَانَهُ لَمْ تَرِثَاهُ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا وَلَا مَعْنَى لِفِرَارِهِ مِنْ مِيرَاثِهَا. وَلَوْ مَاتَ فِي حَالِهِ تِلْكَ لَمْ تَرِثَاهُ وَلَوْ كَانَ طَلَاقُهُ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ عَتَقَتْ هَذِهِ وَأَسْلَمَتْ هَذِهِ ثُمَّ مَاتَ وَهُمَا فِي الْعِدَّةِ وَرِثَتَاهُ. وَإِنْ مَضَتْ الْعِدَّةُ لَمْ تَرِثَاهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَهُمَا غَيْرُ وَارِثَيْنِ لَوْ مَاتَ وَهُمَا فِي حَالِهِمَا تِلْكَ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ طَلَاقًا يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ تَرِثْ فِي قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِأَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ نَظَرَ إلَيْهِ حِينَ يَمُوتُ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ أَوْ فِي مَعَانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>