للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسْخًا بِلَا طَلَاقٍ.

وَذَلِكَ أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ طَلَاقًا جَعَلْنَا الزَّوْجَ يَمْلِكُ فِيهِ الرَّجْعَةَ وَأَنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الطَّلَاقَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ فَقَالَ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} (قَالَ): وَكَانَ مَعْقُولًا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ هَذَا أَنَّهُ الطَّلَاقُ الَّذِي مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ.

فَأَمَّا الْفَسْخُ فَلَيْسَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَلَا يَكُونُ زَوْجًا فَيُطَلِّقُ وَمِثْلُ إسْلَامِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ أَوْ رِدَّةِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ وَثَنِيَّةٌ وَلَا لِمُسْلِمَةٍ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا كَافِرًا وَمِثْلُ الْأَمَةِ تُعْتَقُ فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهَا بِلَا مَشِيئَةِ زَوْجِهَا.

وَمِثْلُ الْخِيَارِ إلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَ زَوْجُهَا عِنِّينًا أَوْ خَصِيًّا مَجْبُوبًا وَمَا خَيَّرْنَاهَا فِيهِ مِمَّا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْفُرْقَةُ وَإِنْ كَرِهَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ فَسْخٌ لِلْعُقْدَةِ لَا إيقَاعُ طَلَاقٍ بَعْدَهَا.

وَمِثْلُ الْمَرْأَةِ تَمْلِكُ زَوْجَهَا أَوْ يَمْلِكُهَا فَيَفْسَخُ النِّكَاحَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمِثْلُ الرَّجُلِ يُغَرُّ بِالْمَرْأَةِ فَيَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فَيَخْتَارُ فِرَاقَهَا فَذَلِكَ فَسْخٌ بِلَا طَلَاقٍ، وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا لَزِمَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْمَرْأَةِ نِصْفَ الْمَهْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا إذَا لَمْ يَمَسَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}.

مَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مِنْ الْكَلَامِ وَمَا لَا يَقَعُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ذَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الطَّلَاقَ فِي كِتَابِهِ بِثَلَاثَةِ أَسْمَاءٍ: الطَّلَاقُ وَالْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَزْوَاجِهِ {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَمَنْ خَاطَبَ امْرَأَتَهُ فَأَفْرَدَ لَهَا اسْمًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك أَوْ فَارَقْتُك أَوْ قَدْ سَرَّحْتُك لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَنْوِ فِي الْحُكْمِ وَنَوَيْنَاهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسَعُهُ إنْ لَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِنْهُ طَلَاقًا أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يَسَعُهَا أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْ صِدْقِهِ مَا يَعْرِفُ مِنْ صِدْقِ نَفْسِهِ وَسَوَاءٌ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَا يَلْزَمُ تَكَلَّمَ بِهِ الزَّوْجُ عِنْدَ غَضَبٍ أَوْ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ أَوْ رِضًا وَغَيْرِ مَسْأَلَةِ طَلَاقٍ، وَلَا تَصْنَعُ الْأَسْبَابُ شَيْئًا إنَّمَا تَصْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ يَكُونُ وَيَحْدُثُ الْكَلَامُ عَلَى غَيْرِ السَّبَبِ وَلَا يَكُونُ مُبْتَدَأَ الْكَلَامِ الَّذِي لَهُ حُكْمٌ فَيَقَعُ فَإِذَا لَمْ يَصْنَعْ السَّبَبَ بِنَفْسِهِ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ بِمَا بَعْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْ مَا بَعْدَهُ أَنْ يَصْنَعَ مَا لَهُ حُكْمٌ إذَا قِيلَ.

وَلَوْ وَصَلَ كَلَامَهُ فَقَالَ قَدْ فَارَقْتُك إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ إلَى السُّوقِ أَوْ إلَى حَاجَةٍ أَوْ قَدْ سَرَّحْتُك إلَى أَهْلِك أَوْ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ قَدْ طَلَّقْتُك مِنْ عِقَالِك أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَكَذَلِكَ لَوْ خَرِسَ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا وَلَا يَكُونُ طَلَاقًا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ أَرَدْت طَلَاقًا وَإِنْ سَأَلَتْ امْرَأَتُهُ أَنْ يُسْأَلَ سُئِلَ وَإِنْ سَأَلَتْ أَنْ يُحَلَّفَ أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ مَا أَرَادَ طَلَاقًا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا.

وَإِنْ نَكَلَ قِيلَ إنْ حَلَفْتَ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ قَالَ وَمَا تَكَلَّمَ بِهِ مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ سِوَى هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ حَتَّى يَقُولَ كَانَ مَخْرَجُ كَلَامِي بِهِ عَلَى أَنِّي نَوَيْت بِهِ طَلَاقًا وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ خَلِيَّةٌ أَوْ خَلَوْتِ مِنِّي أَوْ خَلَوْت مِنْك أَوْ أَنْتِ بَرِيئَةٌ أَوْ بَرِئْت مِنِّي أَوْ بَرِئْت مِنْك أَوْ أَنْتِ بَائِنٌ أَوْ بِنْت مِنِّي أَوْ بِنْت مِنْك أَوْ اذْهَبِي أَوْ اُعْزُبِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ اُخْرُجِي أَوْ لَا حَاجَةَ لِي فِيك أَوْ شَأْنُك بِمَنْزِلِ أَهْلِك أَوْ الْزَمِي الطَّرِيقَ خَارِجَةً أَوْ قَدْ وَدَّعْتُك أَوْ قَدْ ودعتيني أَوْ اعْتَدِّي أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يُشْبِهُ الطَّلَاقَ فَهُوَ فِيهِ كُلِّهِ غَيْرُ مُطَلِّقٍ حَتَّى يَقُولَ أَرَدْت بِمَخْرَجِ الْكَلَامِ مِنِّي الطَّلَاقَ فَيَكُونُ طَلَاقًا بِإِرَادَةِ الطَّلَاقِ مَعَ الْكَلَامِ الَّذِي يُشْبِهُ الطَّلَاقَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ):

<<  <  ج: ص:  >  >>