للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُكَفِّرَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجِمَاعُ بِتَحْرِيمِهِ إذَا كَانُوا بَالِغِينَ غَيْرَ مَغْلُوبِينَ عَلَى عُقُولِهِمْ (قَالَ): وَظِهَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقَعُ عَلَى زَوْجَتِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً يَحِلُّ جِمَاعُهَا وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَحِلُّ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِأَنْ تَكُونَ حَائِضًا أَوْ مُحْرِمَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا أَوْ خَارِجَةً مِنْ هَذَا كُلِّهِ (قَالَ): وَلَوْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ ثُمَّ اشْتَرَاهَا فَسَدَ النِّكَاحُ وَالظِّهَارُ بِحَالِهِ لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى يُكَفِّرَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الظِّهَارَ لَزِمَهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ؛ وَإِذَا تَظَاهَرَ السَّكْرَانُ لَزِمَهُ الظِّهَارُ.

فَأَمَّا الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِغَيْرِ سُكْرٍ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَإِذَا تَظَاهَرَ الْأَخْرَسُ وَهُوَ يَعْقِلُ الْإِشَارَةَ أَوْ الْكِتَابَةَ لَزِمَهُ الظِّهَارُ، وَإِذَا تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ قَالَ أَنْتِ مِثْلُهَا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا يُرِيدُ بِهِ الظِّهَارَ فَإِنَّ عَلَيْهِ فِيهَا مِثْلَ مَا عَلَيْهِ فِي الَّتِي تَظَاهَرَ مِنْهَا وَهُوَ ظِهَارٌ، فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ظِهَارًا وَلَا تَحْرِيمًا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ لَهُ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فُلَانٌ فَلَيْسَ بِظِهَارٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ فُلَانًا قَدْ شَاءَ، وَإِذَا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ تَرَكَهَا أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَلَا إيلَاءَ عَلَيْهِ يُوقَفُ لَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَكَمَ فِي الظِّهَارِ غَيْرَ حُكْمِهِ فِي الْإِيلَاءِ فَلَا يَكُونُ الْمُتَظَاهِرُ مُولِيًا وَلَا الْمُولِي مُتَظَاهِرًا بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا إلَّا أَيَّهمَا جُعِلَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُطِيعٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ الْجِمَاعِ فِي الظِّهَارِ عَاصٍ لَوْ جَامَعَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ وَعَاصٍ بِالْإِيلَاءِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُضَارًّا بِالظِّهَارِ أَوْ غَيْرَ مُضَارٍّ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِالضِّرَارِ كَمَا يَأْثَمُ لَوْ آلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْإِيلَاءِ بِالضِّرَارِ وَيَأْثَمُ لَوْ تَرَكَهَا الدَّهْرَ بِلَا يَمِين يُرِيدُ ضِرَارًا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْإِيلَاءِ وَلَا يُحَالُ حُكْمٌ عَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ.

الظِّهَارُ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ - فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): سَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَذْكُرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يُطَلِّقُونَ بِثَلَاثَةٍ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَالطَّلَاقِ فَأَقَرَّ اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ طَلَاقًا وَحَكَمَ فِي الْإِيلَاءِ بِأَنْ أَمْهَلَ الْمُوَالِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ جَعَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَحَكَمَ فِي الظِّهَارِ بِالْكَفَّارَةِ فَإِذَا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ يُرِيدُ طَلَاقَهَا أَوْ يُرِيدُ تَحْرِيمَهَا بِلَا طَلَاقٍ فَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ بِحَالٍ وَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ بِالظِّهَارِ وَلَا يَنْوِي شَيْئًا فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ بِالظِّهَارِ وَيَلْزَمُ الظِّهَارُ مَنْ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ سَقَطَ عَنْهُ وَإِذَا تَظَاهَرَ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ بَعْدَ مَا دَخَلَ بِهَا فَهُوَ مُتَظَاهِرٌ وَإِذَا طَلَّقَهَا فَكَانَ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ تَظَاهَرَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ، وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَيْهِ فَكَانَ يَمْلِكُ رَجْعَةَ إحْدَاهُمَا وَلَا يَمْلِكُ رَجْعَةَ الْأُخْرَى فَتَظَاهَرَ مِنْهُمَا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ الظِّهَارُ مِنْ الَّتِي يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا وَيَسْقُطُ عَنْهُ مِنْ الَّتِي لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا تَظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ أُمَّ وَلَدٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ أُمِّ وَلَدٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الظِّهَارُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} وَلَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيلَاءُ وَلَا الطَّلَاقُ فِيمَا لَا يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} فَلَوْ آلَى مِنْ أَمَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِيلَاءُ، وَكَذَلِكَ قَالَ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وَلَيْسَتْ مِنْ الْأَزْوَاجِ فَلَوْ رَمَاهَا لَمْ يَلْتَعِنْ لِأَنَّا عَقَلْنَا عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِنَا وَإِنَّمَا نِسَاؤُنَا أَزْوَاجُنَا وَلَوْ جَازَ أَنْ يَلْزَمَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَزِمَهَا كُلَّهَا لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا وَاحِدٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>