للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ الْقِصَاصِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِصَاصٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ الدِّيَةِ وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ مَا لَزِمَكَ لِي لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا لِلدِّيَةِ وَكَانَ عَفْوًا لِلْقِصَاصِ وَإِنَّمَا كَانَ عَفْوًا لِلْقِصَاصِ دُونَ الْمَالِ وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا لِلْمَالِ دُونَ الْقِصَاصِ وَلَا لَهُمَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ بِالْقِصَاصِ، ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَاعْلَمْ أَنَّ الْعَفْوَ مُطْلَقًا إنَّمَا هُوَ تَرْكُ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ وَحَكَمَ بِأَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الْمَعْفُوُّ لَهُ بِإِحْسَانٍ وَقَوْلُهُ مَا يَلْزَمُكَ لِي عَلَى الْقِصَاصِ اللَّازِمِ كَانَ لَهُ وَهُوَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ إذَا عُفِيَ لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ الدِّيَةَ حَتَّى يَعْفُوَهَا صَاحِبُهَا وَلَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْك الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ هَذَا عَفْوًا لَهُ عَنْ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ مُقِيمًا عَلَى الْقِصَاصِ فَالْقِصَاصُ لَهُ دُونَ الدِّيَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ قَدْ عَفَوْتُ عَنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ مَاتَ الْقَاتِلُ فَإِنَّ لَهُ أَخْذَ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ عَفَا عَنْهَا وَلَيْسَتْ لَهُ إنَّمَا تَكُونُ لَهُ بَعْدَ عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ، وَإِنْ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الدِّيَةِ وَالْقِصَاصِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ عَفْوُهُ، وَلَوْ عَفَاهُمَا فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَانَ عَفْوُهُ جَائِزًا وَكَانَ عَفْوُهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَصِيَّةً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِي إلَّا الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا فَعَفَاهَا فَعَفْوُهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إلَّا أَخْذُهَا مِنْ الْقَاتِلِ، وَلَوْ عَفَاهَا وَلِيُّهُ كَانَ عَفْوُهُ بَاطِلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ صَالَحَ وَلِيُّهُ مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ بِنَظَرٍ لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا عَفَا الْمَحْجُورُ عَنْ الْقِصَاصِ جَازَ عَفْوُهُ عَنْهُ وَكَانَتْ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مَعَهُ الدِّيَةُ؛ لِأَنَّ فِي عَفْوِهِ عَنْ الْقِصَاصِ زِيَادَةً فِي مَالِهِ وَعَفْوُهُ الْمَالَ نَقْصٌ فَلَا يَجُوزُ عَفْوُهُ الْمَالَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ جَازَ لَهُ عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ جَازَ ذَلِكَ لَهُ فِي الدِّيَةِ وَمَنْ لَمْ يَجُزْ عَفْوُ مَالِهِ سِوَى الدِّيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ عَفْوُ الدِّيَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ قَدْ عَفَوْت عَنْ الْقَاتِلِ أَوْ قَدْ عَفَوْت حَقِّي عَنْ الْقَاتِلِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْذُ حَقِّهِ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقِصَاصُ فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَإِنْ أَرَادَ إحْلَافَ الْوَرَثَةِ مَا يَعْلَمُونَهُ عَفَاهُمَا أَحَلَفُوهُمْ وَأَخَذُوا بِحَقِّهِمْ مِنْ الدِّيَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ الْعَافِي حَيًّا فَادَّعَى عَلَيْهِ الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ الدَّمَ وَالْمَالَ أُحْلِفَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُ فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكُلُّ جِنَايَةٍ عَلَى أَحَدٍ فِيهَا الْقِصَاصُ دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ، لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ إذَا أَرَادَ أَوْ أَخْذُ الْمَالِ أَوْ الْعَفْوُ بِلَا مَالٍ فَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْجِرَاحِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ فَوَلِيُّهُ يَقُومُ فِي الِاقْتِصَاصِ وَالْعَفْوِ مَقَامَهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي النَّفْسِ لَا يَخْتَلِفَانِ.

بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْعَفْوِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فِي النَّفْسِ أَوْ غَيْرِهَا فَشَهِدَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ عَفَا الْقِصَاصَ أَوْ عَفَا الْمَالَ وَالْقِصَاصَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ كَانَ الشَّاهِدُ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَوْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إذَا كَانَ بَالِغًا وَارِثًا لِلْمَقْتُولِ؛ لِأَنَّ فِي شَهَادَتِهِ إقْرَارًا أَنَّ دَمَ الْقَاتِلِ مَمْنُوعٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أُحَلِّفُ الشُّهُودَ عَلَيْهِ مَا عَفَا الْمَالَ وَكَانَتْ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَلَا يَحْلِفُ مَا عَفَا الْقِصَاصَ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى الْقِصَاصِ وَلَا أُحَلِّفُهُ عَلَى مَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَمْ أَطْرَحْ عَنْهُ بِيَمِينِهِ مَا شَهِدَ بِهِ عَلَيْهِ.

(قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>