للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمْوَالِهِمَا.

وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ رَجُلَيْنِ ضَرَبَا رَجُلًا فَرَاغَا عَنْهُ وَتَرَكَاهُ مُضْطَجِعًا مِنْ ضَرْبَتِهِمَا ثُمَّ مَرَّ بِهِ آخَرُ فَقَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ، فَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهُ قَطَعَهُ بِاثْنَيْنِ وَفِيهِ الْحَيَاةُ وَلَمْ يَدْرِ لَعَلَّ الضَّرْبَ قَدْ بَلَغَ بِهِ الذَّبْحَ أَوْ نَزْعَ حَشْوَتِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِصَاصٌ. وَكَانَ لِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءُوا وَيَلْزَمُهُ دِيَتُهُ وَيُعَزَّرَانِ مَعًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا أَنَّهُ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ. وَقَالُوا: لَا نَدْرِي لَعَلَّهُ كَانَ حَيًّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ وَلَا يُغَرَّمُهُمَا حَتَّى يُقْسِمَ أَوْلِيَاؤُهُ فَيَأْخُذُونَ دِيَتَهُ مِنْ الَّذِينَ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ أَوْلِيَاؤُهُ نُقْسِمُ عَلَيْهِمَا مَعًا قِيلَ إنْ أَقْسَمْتُمْ عَلَى جِرَاحِ الْأَوَّلَيْنِ وَقَطْعِ الْآخَرِ فَذَلِكَ لَكُمْ وَإِنْ أَقْسَمْتُمْ عَلَى أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ مَعًا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ إذَا قَطَعَهُ الْآخَرُ بِاثْنَيْنِ أَوْ ذَبَحَهُ الْآخَرُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنَّمَا أَبْطَلْت الْقِصَاصَ أَوَّلًا أَنَّ الضَّارِبَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا كَانُوا بَلَغُوا مِنْهُ مَا لَا حَيَاةَ مَعَهُ إلَّا بَقِيَّةَ حَيَاةِ الذَّكِيِّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْآخَرِ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ. وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَبْلُغُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَالْقَوَدُ عَلَى الْآخَرِ وَعَلَى الْأَوَّلَيْنِ الْجِرَاحُ فَجَعَلَتْهَا قَسَامَةً بِدِيَةٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْعَلُ فِيهَا قِصَاصًا لِهَذَا الْمَعْنَى.

وَلَوْ شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِعَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ مُحَدَّدَةٌ وَلَمْ يُثْبِتُوا بِالْحَدِيدَةِ قَتَلَهُ أَمْ بِالْعَصَا قَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ إذَا كَانَتْ الْعَصَا لَوْ انْفَرَدَتْ مِمَّا لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِيهِ الدِّيَةُ بِكُلِّ حَالٍ. وَإِنْ حَلَفَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنَّهُ مَاتَ بِالْحَدِيدَةِ فَهِيَ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا فَهِيَ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّهُمْ أَثْبَتُوا الْقَتْلَ فَأَقَلُّهُ الْخَطَأُ وَلَا تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ خَطَأٌ.

وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أُصْبُعَ الرَّجُلِ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَطَعَ كَفَّهُ أَوْ قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ مِنْ مَفْصِلِ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهَا آخَرُ مِنْ الْمَرْفِقِ ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِمَا مَعًا الْقَوَدُ يُقْطَعُ أُصْبُعُ هَذَا وَكَفُّ قَاطِعِ الْكَفِّ وَيَدُ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْفِقِ، ثُمَّ يُقْتَلَانِ، وَسَوَاءٌ قَطَعَا مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ قَطَعَاهَا مِنْ يَدَيْنِ مُفْتَرِقَتَيْنِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ قَطْعِ الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ تَذْهَبْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى بِالْبُرْءِ؛ لِأَنَّ بَاقِيَ أَلَمِهَا وَاصِلٌ إلَى الْجَسَدِ كُلِّهِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ: ذَهَبَتْ الْجِنَايَةُ الْأُولَى حِينَ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الْآخِرَةُ قَاطِعَةً بَاقِي الْمَفْصِلِ الَّذِي يَتَّصِلُ بِهِ وَأَعْظَمُ مِنْهَا جَازَ إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَيْ رَجُلٍ وَرِجْلَيْهِ وَشَجَّهُ آخَرُ مُوضِحَةً فَمَاتَ أَنْ يُقَالَ لَا يُقَادُ مِنْ صَاحِبِ الْمُوضِحَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ أَلَمَ الْجِرَاحِ الْكَثِيرَةِ قَدْ عَمَّ الْبَدَنَ قَبْلَ الْمُوضِحَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَمَنْ أَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ لَكَانَ الْأَلَمُ يَأْتِي عَلَى بَعْضِ الْبَدَنِ دُونَ بَعْضٍ حَتَّى يَكُونَ رَجُلَانِ لَوْ قَطَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَ رَجُلٍ مَعًا فَمَاتَ لَمْ يُقَدْ مِنْهُمَا فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ أَلَمَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي شَقِّ يَدِهِ الَّذِي قَطَعَ وَلَكِنَّ الْأَلَمَ يَخْلُصُ مِنْ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَيَخْلُصُ إلَى الْبَدَنِ كُلِّهِ فَيَكُونُ مَنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ بِوَاحِدٍ يَحْكُمُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْقَوَدِ حُكْمَهُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ مُنْفَرِدًا فَإِذَا أَخَذَ الْعَقْلَ حَكَمَ عَلَى كُلِّ مَنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً عَلَى الْعَدَدِ مِنْ عَقْلِ النَّفْسِ كَأَنَّهُمْ عَشْرَةٌ جَنَوْا عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ الدِّيَةِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَرَأَيْت قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} هَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يُقْتَلَ حُرَّانِ بِحُرٍّ وَلَا رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَمْ نَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الرَّجُلَ يُقْتَلُ بِالْمَرْأَةِ فَإِذَا لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي هَذَا فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ خَاصَّةٌ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فِيمَ نَزَلَتْ؟ قِيلَ: أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُوسَى عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: قَالَ مُقَاتِلٌ أَخَذْت هَذَا التَّفْسِيرَ مِنْ نَفَرٍ حَفِظَ مِنْهُمْ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ قَالُوا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ بَدْءُ ذَلِكَ فِي حَيَّيْنِ مِنْ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ وَكَانَ لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ فَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ لِيَقْتُلُنَّ بِالْأُنْثَى الذَّكَرَ وَبِالْعَبْدِ مِنْهُمْ الْحُرَّ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ رَضُوا وَسَلَّمُوا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالُوا مِنْ هَذَا بِمَا قَالُوا؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>