للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَوْلُهُ {مِنْ قَوْمٍ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ «لَجَأَ قَوْمٌ إلَى خَثْعَمَ فَلَمَّا غَشِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ اسْتَعْصَمُوا بِالسُّجُودِ فَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ أَعْطُوهُمْ نِصْفَ الْعَقْلِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ ذَلِكَ أَلَا إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ؟ قَالَ لَا تَتَرَاءَى نَارَاهُمَا».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إنْ كَانَ هَذَا يَثْبُتُ فَأَحْسِبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهُمْ مُتَطَوِّعًا وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي دَارِ الشِّرْكِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنْ لَا دِيَاتِ لَهُمْ وَلَا قَوَدَ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فَنَزَلَتْ الْآيَةُ بَعْدُ وَيَكُونُ إنَّمَا قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ بِنُزُولِ الْآيَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَفِي التَّنْزِيلِ كِفَايَةٌ عَنْ التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إذْ حَكَمَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى فِي الْمُؤْمِنِ يُقْتَلُ خَطَأً بِالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَحَكَمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا فِي الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِيثَاقٌ وَقَالَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَلَمْ يَذْكُرْ دِيَةً وَلَمْ تَحْتَمِلْ الْآيَةُ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {مِنْ قَوْمٍ} يَعْنِي فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا دَارُهُمْ دَارُ حَرْبٍ مُبَاحَةٌ فَلَمَّا كَانَتْ مُبَاحَةً وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ إذَا بَلَغَتْ النَّاسَ الدَّعْوَةُ أَنْ يُغِيرَ عَلَيْهِمْ غَارِّينَ كَانَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبِيحُ الْغَارَةَ عَلَى دَارٍ وَفِيهَا مَنْ لَهُ إنْ قُتِلَ عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ فَكَانَ هَذَا حُكْمَ اللَّهِ - عَزَّ ذِكْرُهُ -.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ إلَّا فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا؛ وَذَلِكَ أَنَّ عَامَّةَ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا مِنْ قُرَيْشٍ وَقُرَيْشٌ عَامَّةُ أَهْلِ مَكَّةَ وَقُرَيْشٌ عَدُوٌّ لَنَا، وَكَذَلِكَ كَانُوا مِنْ طَوَائِفِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ وَقَبَائِلِهِمْ أَعْدَاءً لِلْمُسْلِمِينَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ حَرْبٍ، ثُمَّ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَعَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَلَا عَقْلَ لَهُ إذَا قَتَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ مُسْلِمًا، وَكَذَلِكَ أَنْ يُغِيرَ فَيَقْتُلَ مَنْ لَقِيَ أَوْ يَلْقَى مُنْفَرِدًا بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي دَارِهِمْ فَيَقْتُلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ قَتَلَهُ فِي سَرِيَّةٍ مِنْهُمْ أَوْ طَرِيقٍ مِنْ طُرُقِهِمْ الَّتِي يُلْقَوْنَ بِهَا فَكُلُّ هَذَا عَمْدٌ خَطَأٌ يَلْزَمُهُ اسْمُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْمِدْ قَتْلَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا بِالْقَتْلِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ أَسِيرًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ نَائِمًا أَوْ بِهَيْئَةٍ لَا تُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَتُشْبِهُ هَيْئَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكَ قَدْ يَتَهَيَّأُ بِهَيْئَةِ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَ بِهَيْئَةِ الْمُشْرِكِ بِبِلَادِ الشِّرْكِ وَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ وُلَاةٌ فَادَّعَوْا أَنَّهُ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا أُحَلِّفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ حُلِّفُوا خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَدْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا وَكَانَ لَهُمْ الْقَوَدُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَامِدًا لِقَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ غَيْرَهُ وَأَصَابَهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ مُسْلِمًا مِنْهُمْ أَوْ أَسِيرًا فِيهِمْ أَوْ مُسْتَأْمَنًا عِنْدَهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَفِي الْخَطَأِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَسْرَى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا يُقْتَلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مِنْ الْجِرَاحِ، وَكَذَلِكَ تُقَامُ الْحُدُودُ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَتَوْا إذَا كَانُوا أَسْلَمُوا وَهُمْ يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ أَوْ كَانُوا مُسْتَأْمَنِينَ يُؤْخَذُ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ الْحُقُوقُ فِي الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُمْ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَسْلَمَ الْقَوْمُ بِبِلَادِ الْحَرْبِ فَأَصَابُوا حَدَّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَادَّعَوْا الْجَهَالَةَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِمْ وَإِذَا عَلِمُوا فَعَادُوا أُقِيمَ عَلَيْهِمْ وَإِذَا وَصَفَ الْحَرْبِيُّ الْإِيمَانَ وَلَمْ يَبْلُغْ أَوْ وَصَفَهُ وَهُوَ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ فَلَقِيَهُ بَعْدَ إيمَانِهِ مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ صِفَتَهُ لِلْإِيمَانِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِهَذَا مِمَّنْ لَهُ كَمَالُ الْإِيمَانِ وَحُكْمُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَصِفَهُ بَالِغًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ وَلَهُ وَلَدٌ صِغَارٌ وَأُمُّهُمْ كَافِرَةٌ أَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّهُمْ وَهُوَ كَافِرٌ فَلِلْوَلَدِ حُكْمُ الْإِيمَانِ بِأَيِّ الْأَبَوَيْنِ أَسْلَمَ فَيُقَادُ قَاتِلُهُ وَيَكُونُ لَهُ دِيَةُ مُسْلِمٍ وَلَا يُعَذَّرُ أَحَدٌ إنْ قَالَ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>