للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُلُ يَسْقِي الرَّجُلَ السُّمَّ أَوْ يَضْطَرُّهُ إلَى سَبُعٍ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا اسْتَكْرَهَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَسَقَاهُ سُمًّا وَوَصَفَ السَّاقِي السُّمَّ سُئِلَ السَّاقِي فَإِنْ قَالَ سَقَيْته إيَّاهُ وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ الْأَغْلَبَ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَأَنَّهُ قَلَّ مَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ يَضُرَّهُ ضَرَرًا شَدِيدًا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْقَتْلَ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ فَمَاتَ الْمَسْقِيُّ فَعَلَى السَّاقِي الْقَوَدُ يُسْقَى مِثْلَ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَذَلِكَ وَإِلَّا ضَرَبْت عُنُقَهُ فَإِنْ قَالَ سَقَيْتُهُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ وَقَدْ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ قَلِيلًا قِيلَ: لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ لَكُمْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ السُّمِّ إذَا سُقِيَ فَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَقْتُلُ أُقِيدَ مِنْهُ وَإِنْ جَهِلُوا ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى السَّاقِي الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَدِيَتُهُ دِيَةُ خَطَأِ الْعَمْدِ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَقْتُلُ وَقَدْ يَقْتُلُ مِثْلُهُ وَسَوَاءٌ عَلِمَ السُّمَّ السَّاقِي فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ كُلَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ عَنْهُ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ عَلَى رُؤْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَا رَأَيَاهُ يَسْقِيهِ السُّمَّ بِدَوَاءٍ مَعَهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يُعَاشُ مِنْ مِثْلِهِ وَيَتْرُكُ الْقَوَدَ وَيَضْمَنُ الدِّيَةَ إذَا كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يُعَاشُ مِنْهُ وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْمَسْقِيِّ لِضَعْفِ بَدَنِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ سَقَمِهِ لَا يَعِيشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا السُّمِّ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ الْقَوِيَّ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يُقَدْ فِي الْقَوِيِّ الَّذِي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ وَأُقِيدَ فِي الضَّعِيفِ الَّذِي الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ ضَرَبَ رَجُلًا نِضْوَ الْخَلْقِ أَوْ سَقِيمًا أَوْ ضَعِيفًا ضَرْبًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ بِالسَّوْطِ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ فَقِيلَ: إنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هَذَا لَا يَعِيشُ مِنْ مِثْلِ هَذَا أُقِيدَ مِنْهُ وَلَوْ ضَرَبَ مِثْلَهُنَّ رَجُلًا الْأَغْلَبُ أَنَّهُ يَعِيشُ مِنْ مِثْلِهِنَّ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ.

(قَالَ): وَلَوْ كَانَ السَّاقِي لِلسُّمِّ الَّذِي أُقِيدَ مِنْ سَاقِيهِ لَمْ يُكْرِهْ الْمَسْقِيَّ وَلَكِنَّهُ جَعَلَهُ لَهُ فِي طَعَامٍ أَوْ خَاصَ لَهُ عَسَلًا أَوْ شَرَابًا غَيْرَهُ فَأَطْعَمَهُ إيَّاهُ أَوْ سَقَاهُ إيَّاهُ غَيْرَ مُكْرِهٍ عَلَيْهِ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ فِيهِ سُمًّا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذَا دَوَاءٌ فَاشْرَبْهُ وَهَذَا أَشْبَهُمَا وَالثَّانِي أَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ آثِمٌ؛ لِأَنَّ الْآخَرَ شَرِبَهُ وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السُّمِّ يُعْطِيهِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَأْكُلُهُ فِي التَّمْرَةِ وَالْحَرِيرَةِ يَصْنَعُهَا لَهُ فَيَمُوتُ فَلَا أُقِيدُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُبْصِرُ السُّمَّ فِي الْحَرِيرَةِ يُبَصِّرُهَا غَيْرُهُ لَهُ فَيَتَوَقَّاهَا وَقَدْ يَعْرِفُ السُّمَّ أَنَّهُ مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ وَلَا يَعْرِفُ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ الَّذِي وَلِيَ شُرْبَهُ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُكْرَهٍ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ كَانَ قَالَ لَهُ فِي هَذَا سُمٌّ وَقَدْ بَيَّنَ لَهُ وَلَا يَلْتَفِتُ صَاحِبُهُ قَلَّمَا يُخْطِئُهُ أَنْ يَتْلَفَ بِهِ فَشَرِبَ الرَّجُلُ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الَّذِي خَلَطَهُ لَهُ وَلَا الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ لَهُ عَقْلٌ وَلَا قَوَدٌ وَلَوْ سَقَاهُ مَعْتُوهًا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْقِلُ عَنْهُ أَوْ صَبِيًّا فَبَيَّنَ لَهُ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ فَسَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فَشَرِبَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ الْقَوَدُ حَيْثُ أَقَدْت مِنْهُ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ السُّمِّ الْقَاتِلِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ خَلَطَهُ فَوَضَعَهُ وَلَمْ يَقُلْ لِلرَّجُلِ كُلْهُ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ أَوْ شَرِبَهُ فَلَا عَقْلَ وَلَا قَوَدَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ لِنَفْسِهِ أَوْ شَرَابٍ أَوْ لِرَجُلٍ فَأَكَلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَأْثَمُ وَأَرَى أَنْ يُكَفِّرَ إذَا خَلَطَهُ فِي طَعَامِ رَجُلٍ وَيَضْمَنُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي خَلَطَهُ بِهِ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ إذَا خَلَطَهُ بِطَعَامٍ فَأَكَلَهُ الرَّجُلُ فَمَاتَ ضَمِنَ كَمَا يَضْمَنُ لَوْ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ سَقَاهُ سُمًّا وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْهُ سُمًّا فَشَهِدَ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ سُمٌّ ضَمِنَ الدِّيَةَ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِهِ وَلَا يَبِينُ لِي أَنْ أَجْعَلَ عَلَيْهِ الْقَوَدَ كَمَا جَعَلْتُهُ عَلَيْهِ لَوْ عَلِمَهُ فَسَقَاهُ إيَّاهُ وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ مَا عَلِمَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِنَّمَا دَرَأْت

<<  <  ج: ص:  >  >>