للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ لَهُ صِنَاعَةٌ وَعَنْ كُنْيَتِهِ إنْ كَانَ يُعْرَفُ بِكُنْيَةِ وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَمَوْضِعِ بِيَاعَاتِهِ وَمُصَلَّاهُ. وَأُحِبُّ لَهُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَيْسُوا مِمَّنْ يُعْرَفُ بِالْحَالِ الْحَسَنَةِ الْمُبْرَزَةِ وَالْعَقْلِ مَعَهَا أَنْ يُفَرِّقَهُمْ ثُمَّ يَسْأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حِدَتِهِ عَنْ شَهَادَتِهِ وَالْيَوْمِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَالْمَوْضِعِ الَّذِي شَهِدَ فِيهِ وَمَنْ حَضَرَهُ وَهَلْ جَرَى ثَمَّ كَلَامٌ. ثُمَّ يُثْبِتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَهَكَذَا أُحِبُّ إنْ كَانَ ثَمَّ حَالٌ حَسَنَةٌ وَلَمْ يَكُنْ سَدِيدَ الْعَقْلِ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ هَذَا وَيَسْأَلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ عَنْ مِثْلِ مَا يَسْأَلُ لِيَسْتَدِلَّ عَلَى عَوْرَةٍ إنْ كَانَتْ فِي شَهَادَتِهِ أَوْ اخْتِلَافٍ إنْ كَانَ فِي شَهَادَتِهِ وَشَهَادَةِ غَيْرِهِ فَيَطْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَزِمَهُ طَرْحُهُ وَيَلْزَمُ مَا لَزِمَهُ إثْبَاتُهُ وَإِنْ جَمَعَ الْحَالَ الْحَسَنَةَ وَالْعَقْلَ لَمْ يَقِفْهُ وَلَمْ يُفَرِّقْهُمْ، وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ أَصْحَابُ مَسَائِلِهِ جَامِعِينَ لِلْعَفَافِ فِي الطُّعْمَةِ وَالْأَنْفُسِ وَافِرِي الْعُقُولِ بُرَآءَ مِنْ الشَّحْنَاءِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ أَوْ الْحَيْفِ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْمُمَاطَلَةِ لِلنَّاسِ وَأَنْ يَكُونُوا جَامِعِينَ لِلْأَمَانَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ وَأَنْ يَكُونُوا أَهْلَ عُقُولٍ لَا يتغفلون بِأَنْ يَسْأَلُوا الرَّجُلَ عَنْ عَدُوِّهِ لِيُخْفِيَ حَسَنًا وَيَقُولَ قَبِيحًا فَيَكُونَ ذَلِكَ جَرْحًا عِنْدَهُمْ أَوْ يَسْأَلُوهُ عَنْ صَدِيقِهِ فَيُخْفِيَ قَبِيحًا وَيَقُولَ حَسَنًا فَيَكُونَ ذَلِكَ تَعْدِيلًا عِنْدَهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَيَحْرِصُ الْحَاكِمُ عَلَى أَنْ لَا يَعْرِفَ لَهُ صَاحِبَ مَسْأَلَةٍ فَيَحْتَالَ لَهُ. (قَالَ): وَأَرَى أَنْ يَكْتُبَ لِأَهْلِ الْمَسَائِلِ صِفَاتِ الشُّهُودِ عَلَى مَا وَصَفْت وَأَسْمَاءَ مَنْ شَهِدُوا لَهُ وَمَنْ شَهِدُوا عَلَيْهِ وَقَدْرَ مَا شَهِدُوا فِيهِ ثُمَّ لَا يَسْأَلُونَ أَحَدًا عَنْهُمْ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِمَنْ شَهِدُوا لَهُ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ وَقَدْرَ مَا شَهِدُوا فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْئُولَ عَنْ الرَّجُلِ قَدْ يَعْرِفُ مَا لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ حَنَقًا عَلَيْهِ أَوْ شَرِيكًا فِيمَا شَهِدَ فِيهِ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ عَلَى تَعْدِيلِهِ فِي الْيَسِيرِ وَيَقِفُ فِي الْكَثِيرِ، وَلَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا الْمَسْأَلَةَ عَنْهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَيُخْفِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَسْمَاءَ مَنْ دَفَعَ إلَى الْآخَرِ لِتَتَّفِقَ مَسْأَلَتُهُمَا أَوْ تَخْتَلِفَ فَإِنْ اتَّفَقَتْ بِالتَّعْدِيلِ قَبِلَهَا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَعَادَهَا مَعَ غَيْرِهِمَا فَإِنْ عُدِّلَ رَجُلٌ وَجُرِحَ لَمْ يَقْبَلْ الْجَرْحَ إلَّا مِنْ شَاهِدَيْنِ وَكَانَ الْجَرْحُ أَوْلَى مِنْ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ التَّعْدِيلَ يَكُونُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْجَرْحَ يَكُونُ عَلَى الْبَاطِنِ.

(قَالَ): وَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَقِيهٍ عَاقِلٍ دَيِّنٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِأَنْ يَقِفَهُ عَلَى مَا يَجْرَحُهُ بِهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ الْحَاكِمِ قِبَلَهُ مِنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ جَرْحًا عِنْدَهُ لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ وَيَتَبَايَنُونَ فِي الْأَهْوَاءِ فَيَشْهَدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِحَاكِمٍ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ رَجُلٍ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا أَنْ يَقُولَ لِرَجُلٍ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا رِضًا وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ كَافِرًا لِغَيْرِ عَدْلٌ، وَكَذَلِكَ يُسَمَّى بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الِاخْتِلَافِ بِالْفِسْقِ وَالضَّلَالِ فَيَجْرَحُونَهُمْ فَيَذْهَبُ مَنْ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَيَجْرَحُونَهُمْ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْضِعِ جَرْحٍ لِأَحَدٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ يَجْرَحُ مَنْ يَسْتَحِلُّ بَعْضَ مَا يُحَرِّمُ هُوَ مِنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَمِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فَلَا يَقْبَلُ الْجَرْحَ إلَّا بِالشَّهَادَةِ مِنْ الْجَارِحِ عَلَى الْمَجْرُوحِ وَبِالسَّمَاعِ أَوْ بِالْعِيَانِ كَمَا لَا يَقْبَلُهَا عَلَيْهِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْحَقِّ وَأَكْثَرُ مَنْ نُسِبَ إلَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ بَغْيًا حَتَّى يَعْتَدَّ الْيَسِيرَ الَّذِي لَا يَكُونُ جَرْحًا لَقَدْ حَضَرْت رَجُلًا صَالِحًا يَجْرَحُ رَجُلًا مُسْتَهِلًّا بِجَرْحِهِ فَأَلَحَّ عَلَيْهِ بِأَيِّ شَيْءٍ تَجْرَحُهُ؟ فَقَالَ مَا يَخْفَى عَلَى مَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مَجْرُوحَةً فَلَمَّا قَالَ لَهُ الَّذِي يَسْأَلُهُ عَنْ الشَّهَادَةِ لَسْت أَقْبَلُ هَذَا مِنْك إلَّا أَنْ تُبَيِّنَ قَالَ رَأَيْته يَبُولُ قَائِمًا قَالَ وَمَا بَأْسَ بِأَنْ يَبُولَ قَائِمًا؟ قَالَ يَنْضَحُ عَلَى سَاقَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَثِيَابِهِ ثُمَّ يُصَلِّي قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ قَالَ أَفَرَأَيْته فَعَلَ فَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يُنْقِيَهُ وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ؟ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَرَاهُ سَيَفْعَلُ. وَهَذَا الضَّرْبُ كَثِيرٌ فِي الْعَالِمِينَ وَالْجَرْحُ خَفِيٌّ فَلَا يُقْبَلُ لِخَفَائِهِ وَلِمَا وَصَفْت مِنْ الِاخْتِلَافِ إلَّا بِتَصْرِيحِ الْجَارِحِ وَلَا يُقْبَلُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِأَنْ يُوقِفَهُ الْمُعَدِّلُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ عَدْلٌ عَلَيَّ وَلِي ثُمَّ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ هَكَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>