للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُنِيَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الرَّجُلُ غَيْرُ الْوَالِي يَؤُمُّ جَمَاعَةً يَكْرَهُونَهُ فَأَكْرَهُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَلَا بَأْسَ بِهِ عَلَى الْمَأْمُومِ يَعْنِي فِي هَذَا الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا كُرِهَ لَهُ وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُجْزِئَةٌ وَلَا أَعْلَمُ عَلَى الْإِمَامِ إعَادَةً؛ لِأَنَّ إسَاءَتَهُ فِي التَّقَدُّمِ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ خِفْت عَلَيْهِ فِي التَّقَدُّمِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَغِيبُ عَنْهَا زَوْجُهَا وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَأْبِقُ أَخَافُ عَلَيْهِمْ فِي أَفْعَالِهِمْ وَلَيْسَتْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ إعَادَةُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَيَخْرُجُ فِي الْمَعْصِيَةِ أَخَافُ عَلَيْهِ فِي عَمَلِهِ وَإِذَا صَلَّى صَلَاةً فَفَعَلَهَا فِي وَقْتِهَا لَمْ أُوجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهَا، وَلَوْ تَطَوَّعَ بِإِعَادَتِهَا إذَا تَرَكَ مَا كَانَ فِيهِ مَا كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَأَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَلَّى قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَإِنْ وَلِيَهُمْ وَالْأَكْثَرُ مِنْهُمْ لَا يَكْرَهُونَهُ وَالْأَقَلُّ مِنْهُمْ يَكْرَهُونَهُ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا مِنْ وَجْهِ كَرَاهِيَةِ الْوِلَايَةِ جُمْلَةً، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَحَدٌ وَلِيَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَكْرَهُهُ وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي هَذَا إلَى الْعَامِّ الْأَكْثَرِ لَا إلَى الْخَاصِّ الْأَقَلِّ وَجُمْلَةُ هَذَا أَنِّي أَكْرَهُ الْوِلَايَةَ بِكُلِّ حَالٍ.

فَإِنْ وَلِيَ رَجُلٌ قَوْمًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وِلَايَتَهُمْ حَتَّى يَكُونَ مُحْتَمِلًا لِنَفْسِهِ لِلْوِلَايَةِ بِكُلِّ حَالٍ آمِنًا عِنْدَهُ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يُحَابِيَهُ، وَعَدُوِّهِ أَنْ يَحْمِلَ غَيْرَ الْحَقِّ عَلَيْهِ مُتَيَقِّظًا، لَا يَخْدَعُ عَفِيفًا عَمَّا صَارَ إلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَحْكَامِهِمْ مُؤَدِّيًا لِلْحَقِّ عَلَيْهِ فَإِنْ نَقَصَ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَلِيَ وَلَا لِأَحَدٍ عَرَفَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ وَأُحِبُّ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا عَلَى النَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ لَا يَبْلُغُ بِهِ غَيْظُهُ أَنْ يُجَاوِزَ حَقًّا وَلَا يَتَنَاوَلَ بَاطِلًا لَمْ يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا طِبَاعٌ لَا يَمْلِكُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَتَى وَلِيَ وَهُوَ كَمَا أُحِبُّ لَهُ فَتَغَيَّرَ وَجَبَ عَلَى الْوَالِي عَزْلُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ لَا يَلِيَ لَهُ.

وَلَوْ تَوَلَّى رَجُلٌ أَمْرَ قَوْمٍ أَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَأْثَمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْوِلَايَةِ خَيْرًا لَهُ أَحَبُّوهُ، أَوْ كَرِهُوهُ.

مَا عَلَى الْإِمَامِ مِنْ التَّخْفِيفِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ فَإِذَا كَانَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَلْيُطِلْ مَا شَاءَ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كَانَ أَخَفَّ النَّاسِ صَلَاةً عَلَى النَّاسِ وَأَطْوَلَ النَّاسِ صَلَاةً لِنَفْسِهِ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): رَوَى شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ «أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا صَلَّيْت خَلْفَ أَحَدٍ قَطُّ أَخَفَّ وَلَا أَتَمَّ صَلَاةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>