للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْعَبْدَ أَمَانَةً وَلَا هِبَةً، وَلَمْ يُعْطِهِ إلَّا بِعِوَضٍ فَلَمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِوَضَ كَانَ عَلَى الْمُبْتَاعِ رَدُّهُ إنْ كَانَ حَيًّا، وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ مَيِّتًا كَانَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْخِيَارِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ أَمَانَةً، وَلَا هِبَةً إلَّا بِعِوَضٍ يُسَلِّمُ لِلْبَائِعِ فَلَمَّا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ كَانَ عَلَى الْقَابِضِ لَهُ رَدُّهُ حَيًّا، وَرَدُّ قِيمَتِهِ مَيِّتًا، وَكَانَ يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ كَانَ حَلَالًا فَكَيْفَ يَبْطُلُ ثَمَنُ الْحَلَالِ، وَيَثْبُتُ ثَمَنُ الْحَرَامِ؟ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ أَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا مَعًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُسَلِّمْ قَطُّ عَبْدَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ أَوْ ثَمَنُهُ، وَإِنَّمَا مَنَعْنَا أَنْ نَجْعَلَ لَهُ الثَّمَنَ لَا الْقِيمَةَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ شَيْئًا فَلَمَّا كَانَ لَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ لَازِمًا بِكُلِّ حَالٍ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَازِمًا بِكُلِّ حَالٍ فَفَاتَ رَدَدْنَاهُ إلَى الْقِيمَةِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَةٌ، وَابْنٌ مِنْهَا، وَكَانَ لِزَوْجَتِهِ أَخٌ فَتَرَافَعُوا إلَى الْقَاضِي فَتَصَادَقُوا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ وَالِابْنَ قَدْ مَاتَا، وَتَدَاعَيَا فَقَالَ الْأَخُ مَاتَ الِابْنُ ثُمَّ مَاتَتْ الْأُمُّ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مَعَ زَوْجِهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ فَأَحْرَزَ ابْنِي مَعِي مِيرَاثَهَا ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَلَا حَقَّ لَك فِي مِيرَاثِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ بَيْنَهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَخِ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ الْآنَ قَائِمٌ، وَأُخْتُهُ مَيِّتَةٌ فَهُوَ وَارِثٌ، وَعَلَى الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ مَحْجُوبُ الْبَيِّنَةِ، وَلَا أَدْفَعُ الْيَقِينَ إلَّا بِيَقِينٍ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا تَرَكَ مَالًا فَقَالَ الْأَخُ آخُذُ حِصَّتِي مِنْ مَالِ أُخْتِي مِنْ مِيرَاثِهَا مِنْ ابْنِهَا كَانَ الْأَخُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ هُوَ الْمُدَّعِي مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَكُونَ كَمَا قَالَ فَكَمَا لَمْ أَدْفَعْ أَنَّهُ وَارِثٌ لِأَنَّهُ يَقِينٌ بِظَنٍّ أَنَّ الِابْنَ حَجَبَهُ فَكَذَلِكَ لَمْ أُوَرِّثُهُ مِنْ الِابْنِ لِأَنَّ الْأَبَ يَقِينٌ، وَهُوَ ظَنٌّ، وَعَلَى الْأَبِ الْيَمِينُ، وَعَلَى الْأَخِ الْبَيِّنَةُ إذَا حَضَرَ أَخَوَانِ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ فَتَصَادَقَا أَنَّ أَبَاهُمَا مَاتَ، وَتَرَكَ هَذِهِ الدَّارَ مِيرَاثًا، وَقَالَ الْمُسْلِمُ مَاتَ مُسْلِمًا، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ مَاتَ نَصْرَانِيًّا سُئِلَا فَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ أَسْلَمَ بَعْدُ. قِيلَ الْمَالُ لِلنَّصْرَانِيِّ لِأَنَّ النَّاسَ عَلَى أَصْلِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ انْتَقَلَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ ثَبَتَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ، وَمَاتَ مُسْلِمًا كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْمُسْلِمِ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ لَمْ يَزَلْ نَصْرَانِيًّا وَقَفْنَا الْمَالَ أَبَدًا حَتَّى يُعْلَمَ أَوْ يَصْطَلِحَا فَإِذَا أَقَامَ النَّصْرَانِيُّ بَيِّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا، وَمَاتَ نَصْرَانِيًّا كَانَ الْمِيرَاثُ لَهُ دُونَ الْمُسْلِمِ.

وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْأَوَّلُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَرْوِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَقُولُ بِهِ، وَهُوَ قَضَاءُ مَرْوَانَ بِالْمَدِينَةِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أُحَلِّفُهُ، وَجُعِلَ لَهُ الْمِيرَاثُ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فَمَنْ حُجَّتُهُ مَا وَصَفْت، وَمَنْ حُجَّتُهُ أَنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُمَا فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَاحِدٌ فَلَمَّا كُنْت لَا أَشُكُّ أَنَّ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ كَاذِبَةٌ بِغَيْرِ عَيْنِهَا أَقْرَعْت خَبَرًا، وَقِيَاسًا عَلَى أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ مَمْلُوكَيْنِ لَهُ فَأَقْرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمَا، وَحُجَّتُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ خَيْبَرَ ثُمَّ أَقْرَعَ، وَعَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَوَجَدْته يُقْرِعُ حَيْثُ تَسْتَوِي الْحُجَجُ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحَقَّ لِبَعْضٍ، وَيُزِيلُ حَقَّ بَعْضٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يُجْعَلَ الْمِيرَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا حُجَّةُ صَاحِبِهِ، وَبَيِّنَتُهُ فَلَمَّا اسْتَوَيَا فِيمَا يَتَدَاعَيَانِ سُوِّيَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَهُ قَسْمًا بَيْنَهُمَا، وَمِنْ حُجَّةِ هَذَا أَنْ يَحْتَجَّ بِعَوْلِ الْفَائِضِ فَيَقُولَ قَدْ أَجِدُ فِي الْفَرِيضَةِ نِصْفًا وَنِصْفًا وَثُلُثًا فَأَضْرِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مَا قُسِمَ لَهُ فَأَكُونُ قَدْ أَوْفَيْته عَلَى أَصْلِ مَا جُعِلَ لَهُ، وَإِنْ دَخَلَ النَّقْصُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فَكَذَلِكَ دَخَلَ عَلَى غَيْرِهِ بِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَى مَنْ احْتَجَّ بِهَذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ قَدْ نَقَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِمْ الْمِلْكَ فَكُلُّ صَادِقٍ لَيْسَ مِنْهُمْ كَاذِبٌ بِحَالٍ.

وَالْمَشْهُودُ لَهُ بِخِلَافِ مَا شَهِدَ بِهِ لِصَاحِبِهِ يُحِيطُ الْعِلْمَ بِأَنَّ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ كَاذِبَةٌ، وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِ الْمُسْتَحِقِّ بِالشَّهَادَةِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ بِهَا مُحِقًّا، وَالْآخَرُ مُبْطِلًا فَإِذَا خَرَجَ النِّصْفُ إلَى أَحَدِهِمَا أَحَاطَ الْعِلْمَ بِأَنَّهُ قَدْ أَعْطَى نِصْفًا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمَنَعَ نِصْفًا

<<  <  ج: ص:  >  >>