للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دِينِهَا فِي قَوْلِ مَنْ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا، فَأَمَّا مَنْ قَالَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ رَضُوا، أَوْ لَمْ يَرْضَوْا فَيَحُدُّهَا حَدَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَمِائَةٌ وَنَفْيُ عَامٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ

(قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَطِئَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَقَالَ هِيَ امْرَأَتِي وَقَالَتْ ذَلِكَ، أَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَلَا يَكْشِفَانِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَحْلِفَانِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمَا مَنْ يَعْلَمُ غَيْرَ مَا قَالَا وَتَثْبُت عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ، أَوْ يُقِرَّانِ بَعْدُ بِخِلَافِ مَا ادَّعَيَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِبِلَادِ غُرْبَةٍ وَيَنْتَقِلُ بِهَا إلَى غَيْرِهَا وَيَنْكِحُهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَيَغِيبُونَ وَيَمُوتُونَ وَيَشْتَرِي الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِبَيِّنَةٍ فَيَغِيبُونَ فَتَكُونُ النَّاسُ أُمَنَاءَ عَلَى هَذَا لَا يَحُدُّونَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَتَوْا مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُهُمْ كَاذِبِينَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ يُحَدُّ كُلُّ مَنْ وَجَدْنَاهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى نِكَاحٍ، أَوْ شِرَاءِ، وَقَدْ يَأْخُذُ الْفَاسِقُ الْفَاسِقَةَ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتِي وَهَذِهِ جَارِيَتِي فَإِنْ كُنْتُ أَدْرَأُ عَنْ الْفَاسِقِ بِأَنْ يَقُولَ جِيرَانُهُ رَأَيْنَاهُ يَدَّعِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَتُقِرُّ بِذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُونَ أَصْلَ نِكَاحٍ دَرَأْت عَنْ الصَّالِحِ الْفَاضِلِ يَقُولُ هَذِهِ جَارِيَتِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتِي عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِنْ الْفَاسِقِ وَكُلٌّ لَا يُحَدُّ إذَا ادَّعَى مَا وَصَفْت وَالنَّاسُ لَا يَحُدُّونَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، فَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا نَحُدُّ (قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ وَجَدْت حَامِلًا فَادَّعَتْ تَزْوِيجًا، أَوْ إكْرَاهًا لَمْ تُحَدَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ فِي الْحَامِلِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَقُولَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، أَوْ كَانَ الْحَبَلُ، أَوْ الِاعْتِرَافُ فَإِنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ فِيهِ بِالْبَيَانِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحَبَلِ إذَا كَانَ مَعَ الْحَبَلِ إقْرَارٌ بِالزِّنَا، أَوْ غَيْرُ ادِّعَاءِ نِكَاحٍ، أَوْ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ.

بَابُ إجَازَةِ شَهَادَةِ الْمَحْدُودِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَفِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا، فَأَمَّا مَنْ أَتَى مُحَرَّمًا حُدَّ فِيهِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِمُدَّةِ أَشْهُرٍ يُخْتَبَرُ فِيهَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الْحَالِ الْحَسَنَةِ، وَالْعَفَافِ عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي أَتَى، وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً عَلَى مَوْضِعِ الشَّتْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَوَاضِعِ الشَّهَادَاتِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى أَحْسَنِ الْحَالِ، وَالْكَفِّ عَنْ الْقَذْفِ، وَأَمَّا مَنْ حُدَّ فِي أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَلَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَإِنْ كَانَ عَدْلًا يَوْمَ شَهِدَ فَسَاعَةَ يَقُولُ قَدْ تُبْت وَكَذَّبَ نَفْسَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ حَدَدْنَاهُ حَدَّ الْقَاذِفِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعَانِي الْقَذْفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً لَمْ نَحُدَّهُمْ، وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً شَاتِمِينَ حَدَدْنَاهُمْ، وَالْحُجَّةُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَأَمَرَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي سِيَاقِ الْكَلَامِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ وَآخِرِهِ فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ وَلَيْسَ عِنْدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَنَّ الثُّنْيَا لَهُ إنَّمَا هِيَ عَلَى طَرْحِ اسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ خَبَرٌ إلَّا عَنْ شُرَيْحٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ شُرَيْحًا لِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ كَلَّمَنِي بَعْضُهُمْ فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ قَالَ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت لَهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هَذِهِ كُنْت قَدْ أَحْسَنْت الِاحْتِجَاجَ عَلَى نَفْسِك قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْت أَرَأَيْت أَبَا بَكْرَةَ هَلْ تَابَ مِنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي حُدَّ بِهَا قَالَ فَإِنْ قُلْت نَعَمْ؟ قُلْت فَلَمْ يَطْرَحْ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ اسْمَ الْفِسْقِ، فَأَيُّ شَيْءٍ اسْتَثْنَى لَهُ بِالتَّوْبَةِ؟ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَتُبْ قُلْت فَنَحْنُ لَا نُخَالِفُك فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ قَالَ فَمَا تَوْبَتُهُ إذَا كَانَ حَسَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>