للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَالِ قُلْت إكْذَابُهُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُكُمْ الشَّعْبِيُّ قَالَ فَهَلْ فِي هَذَا خَبْرٌ؟ قُلْت مَا نَحْتَاجُ مَعَ الْقُرْآنِ إلَى خَبْرٍ وَلَا مَعَ الْقِيَاسِ إذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّانِي، وَالْقَاتِلِ، وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ إذَا تَابَ وَشَهَادَةَ الزِّنْدِيقِ إذَا تَابَ، وَالْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَالْمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إذَا تَابَ لَا تَقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ بِالزِّنَا فَلَمْ تَتِمَّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَجُعِلَ قَاذِفًا قَالَ فَهَلْ عِنْدَك أَثَرٌ؟ قُلْت نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لَا تَجُوزُ وَأَشْهَدُ لَأَخْبَرَنِي، ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك، أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ سُفْيَانُ فَذَهَبَ عَلَى حِفْظِي الَّذِي سَمَّاهُ الزُّهْرِيُّ فَسَأَلْت مَنْ حَضَرَنِي فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَهُوَ سَعِيدٌ؟ قَالَ نَعَمْ إلَّا أَنِّي شَكَكْت فِيهِ فَلَمَّا أَخْبَرَنِي لَمْ أَشُكَّ وَلَمْ أُثْبِتْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حِفْظًا (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إذَا تَابَ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَقَالَ أَيَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ فِي الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ كُلُّنَا يَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَالْقَاذِفُ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ مِثْلُهُ حِينَ يُحَدُّ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتِهِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا وَصَفْت، بَلْ هُوَ قَبْلُ أَنْ يُحَدَّ شَرُّ حَالًا مِنْهُ حِينَ يُحَدُّ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ فَهُوَ بَعْدَ مَا يُكَفَّرُ عَنْهُ الذَّنْبُ خَيْرٌ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ فَلَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُ فِي خَيْرِ حَالَيْهِ وَأُجِيزُهَا فِي شَرِّ حَالَيْهِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا بِإِعْلَانِهِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ فَلَا أَقْبَلُهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا وَهَذَا الْقَاذِفُ، فَأَمَّا الشَّاهِدُ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلَا يَحُدُّهُ الْحَاكِمُ لِمُحَابَاةٍ، أَوْ شُبْهَةٍ فَإِذَا كَانَ عَدْلًا يَوْمَ شَهِدَ، ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعَانِي الْقَذْفَةِ.

بَابُ شَهَادَةِ الْأَعْمَى

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): إذَا رَأَى الرَّجُلُ فَأَثْبَتَ وَهُوَ بَصِيرٌ، ثُمَّ شَهِدَ وَهُوَ أَعْمَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ وَهُوَ بَصِيرٌ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ وَهُوَ أَعْمَى عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ بَصِيرٌ وَلَا عِلَّةَ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فَإِذَا شَهِدَ وَهُوَ أَعْمَى عَلَى شَيْءٍ قَالَ أُثْبِتُهُ كَمَا أُثْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِالصَّوْتِ، أَوْ الْحِسِّ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ، وَالْحِسَّ يُشْبِهُ الْحِسَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَالْأَعْمَى يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَأَجَلْ إنَّمَا حَدَّ اللَّهُ فِي الْقَذْفِ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ إذَا لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذَا جَاءُوا بِهِمْ خَرَجُوا مِنْ الْحَدِّ وَحَدَّ الْأَزْوَاجِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجُوا بِالِالْتِعَانِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ وَالْأَجْنَبِيِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي أَنْ يُحَدُّوا مَعًا إذَا لَمْ يَأْتِ هَؤُلَاءِ بِبَيِّنَةٍ وَهَؤُلَاءِ بِالِالْتِعَانِ، أَوْ بَيِّنَةٍ وَسَوَاءٌ قَالَ الزَّوْجُ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي، أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَمَا سَوَاءٌ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّونَ رَأَيْنَاهَا تَزْنِي، أَوْ هِيَ زَانِيَةٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إصَابَةُ الْأَعْمَى أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ فَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُشْبِهُ الشَّهَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَى وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ امْرَأَتَهُ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ فَقَدْ يَعْرِفُهَا مَعْرِفَةً يَكْتَفِي بِهَا وَتَعْرِفُهُ هِيَ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ، وَقَدْ يُصِيبُ الْبَصِيرُ امْرَأَتَهُ فِي الظُّلْمَةِ عَلَى مَعْنَى مَعْرِفَةِ مَضْجَعِهَا وَمَجَسَّتِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَحَدٍ فِي الظُّلْمَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَجَسَّةِ، وَالْمَضْجَعِ، وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى بُدٌّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ غَيْرُ عُمْيٍ فَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ فِي نَفْسِهِ فَنَحْنُ لَمْ نُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ ضَرُورَةُ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَرُورَةُ نَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الْجِمَاعِ الَّذِي يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَدُّ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَلَا يُبْصِرُ أَبَدًا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الشَّهَادَةِ وَلَا غَيْرُهُ مُضْطَرٍّ إلَى شَهَادَتِهِ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُ فِي ضَرُورَتِهِ لِنَفْسِهِ مَا لَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي ضَرُورَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي ضَرُورَتِهِ الْمَيْتَةُ، وَلَوْ صَحِبَهُ مَنْ لَا ضَرُورَةَ بِهِ كَضَرُورَتِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اجْتِهَادُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ اجْتِهَادُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ، فَأَمَّا عَائِشَةُ وَمَنْ رَوَى عَنْهَا الْحَدِيثَ فَالْحَدِيثُ

<<  <  ج: ص:  >  >>