للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ فِي السَّائِبَةِ وَالنَّصْرَانِيِّ يُعْتِقُ الْمُسْلِمَ قَوْلَنَا فَزَعَمْنَا أَنَّ عَلَيْهِمْ حُجَّةً بِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» أَنْ لَا يَكُونَ الْوَلَاءُ إلَّا لِمُعْتِقٍ وَلَا يَزُولُ عَنْ مُعْتِقٍ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْكُمْ أَبْيَنُ لِأَنَّكُمْ خَالَفْتُمُوهُ حَيْثُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُوَافِقُوهُ وَوَافَقْتُمُوهُ حَيْثُ كَانَتْ لَكُمْ شُبْهَةٌ لَوْ خَالَفْتُمُوهُ.

بَابُ الْقَضَاءِ فِي الْهِبَاتِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي غَطَفَانَ بْنِ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ يَرْجِعُ فِيهَا إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ الْهِبَةَ إذَا تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لِلثَّوَابِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَإِنَّ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاهِبَ قِيمَتَهَا يَوْمَ قَبَضَهَا فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ صَاحِبِنَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ فِي الْهِبَةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا إنَّ الْوَاهِبَ عَلَى هِبَتِهِ إنْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا أَنَّ لِلْوَاهِبِ الْخِيَارَ حَتَّى يَرْضَى مِنْ هِبَتِهِ، وَلَوْ أَعْطَى أَضْعَافَهَا فِي مَذْهَبِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلَوْ تَغَيَّرَتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِزِيَادَةٍ كَانَ لَهُ أَخْذُهَا وَكَانَ كَالرَّجُلِ يَبِيعُ الشَّيْءَ وَلَهُ فِيهِ الْخِيَارُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَيَزِيدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَيَخْتَارُ الْبَائِعُ نَقْضَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ لَهُ نَقْضُهُ وَإِنْ زَادَ الْعَبْدُ الْمَبِيعُ أَوْ الْأَمَةُ الْمَبِيعَةُ وَكَثُرَتْ زِيَادَتُهُ وَمَذْهَبُكُمْ خِلَافُ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدًا كَانَ يَقُومُ عَلَى رَقِيقِ الْخُمْسِ وَأَنَّهُ اسْتَكْرَهَ جَارِيَةً مِنْ ذَلِكَ الرَّقِيقِ فَوَقَعَ بِهَا فَجَلَدَهُ عُمَرُ وَنَفَاهُ وَلَمْ يَجْلِدْ الْوَلِيدَةَ لِأَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا قَالَ مَالِكٌ: لَا تُنْفَى الْعَبِيدُ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ: نَحْنُ لَا نَنْفِي الْعَبِيدَ قَالَ: وَلِمَ؟ وَلَمْ تَرْوُوا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا التَّابِعِينَ عَلِمْتُهُ خِلَافَ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ؟ أَفَيَجُوزُ لِأَحَدٍ يَعْقِلُ شَيْئًا مِنْ الْفِقْهِ أَنْ يَتْرُكَ قَوْلَ عُمَرَ وَلَا يَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَأْيِ نَفْسِهِ أَوْ مِثْلِهِ وَيَجْعَلُهُ مَرَّةً أُخْرَى حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ وَحُجَّةً فِيمَا لَيْسَتْ فِيهِ سُنَّةٌ وَهُوَ إذَا كَانَ مَرَّةً حُجَّةً كَانَ كَذَلِكَ أُخْرَى فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى مَنْ سَمِعَ قَوْلَهُ يَقْبَلُ مِنْهُ مَرَّةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى جَازَ لِغَيْرِكُمْ تَرْكُهُ حَيْثُ أَخَذْتُمْ بِهِ وَأَخْذُهُ حَيْثُ تَرَكْتُمُوهُ فَلَمْ يَقُمْ النَّاسُ مِنْ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ تَعْرِفُونَهُ وَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيَّ جَاءَ بِغُلَامٍ لَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ: اقْطَعْ يَدَ هَذَا فَإِنَّهُ سَرَقَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: وَمَاذَا سَرَقَ؟ قَالَ: سَرَقَ مِرْآةً لِامْرَأَتِي ثَمَنُهَا سِتُّونَ دِرْهَمًا فَقَالَ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ خَادِمُكُمْ سَرَقَ مَتَاعَكُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): بِهَذَا نَأْخُذُ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ أَخَذَ مِنْ مِلْكِهِ فَلَا يَقْطَعُ مَالِكٌ مَنْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي بَيْتِهِ يَأْمَنُهُ أَوْ كَانَ خَارِجًا فَكَذَلِكَ لَا يُقْطَعُ مَنْ سَرَقَ مِنْ مِلْكِ امْرَأَتِهِ بِحَالٍ بِخُلْطَةِ امْرَأَتِهِ زَوْجَهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ أَتَأْمَنُونَهُ أَوْ لَا تَأْمَنُونَهُ قَالَ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفْتُمْ فِيهِ عُمَرَ لَا مُخَالِفَ لَهُ عَلِمْنَاهُ فَقُلْتُمْ بِقَطْعِ الْعَبْدِ فِيمَا سَرَقَ لِامْرَأَةِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ فِي مَنْزِلٍ يَأْمَنُونَهُ.

بَابٌ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>