للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَى فِي الْمَرْأَةِ يَتَزَوَّجُهَا الرَّجُلُ أَنَّهَا إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ فَأُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٍ أَنْ لَا صَدَاقَ إلَّا بِالْمَسِيسِ وَاحْتَجَّا أَوْ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} قَالَ بِهَذَا نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فَقَالُوا: لَا يُلْتَفَتُ إلَى الْإِغْلَاقِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْمَهْرُ كَامِلًا بِالْمَسِيسِ وَالْقَوْلُ فِي الْمَسِيسِ قَوْلُ الزَّوْجِ وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يَجِبُ الْمَهْرُ بِإِغْلَاقِ الْبَابِ وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ: مَا ذَنْبُهُنَّ؟ إنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ فَخَالَفْتُمْ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَشُرَيْحٌ وَمَا ذَهَبَا إلَيْهِ مِنْ تَأْوِيلِ الْآيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَوْلُهُ {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} وَخَالَفْتُمْ مَا رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدٍ وَذَلِكَ أَنَّ نِصْفَ الْمَهْرِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَنِصْفَهُ الثَّانِي بِالدُّخُولِ وَوَجْهُ قَوْلِهِمَا الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا خَلَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا وَاخْتَلَى بِهَا فَهُوَ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ فَقَدْ وَجَبَ نِصْفُ الْمَهْرِ الْآخَرِ وَلَمْ يَذْهَبَا إلَى مَسِيسٍ وَعُمَرُ يُدَيِّنُ ثُمَّ يَقْضِي بِالْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الْمَسِيسَ لِقَوْلِهِ مَا ذَنْبُهُنَّ إنْ كَانَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ ثُمَّ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْغَلْقِ وَالْإِرْخَاءِ إذَا لَمْ تَدَّعِ الْمَرْأَةُ جِمَاعًا وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالْجِمَاعِ ثُمَّ عُدْتُمْ فَأَبْطَلْتُمْ الْجِمَاعَ وَدَعْوَى الْجِمَاعِ فَقُلْتُمْ إذَا كَانَ اسْتَمْتَعَ بِهَا سَنَةً حَتَّى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَجَبَ الْمَهْرُ وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ سَنَةً؟ وَمَنْ حَدَّ لَكُمْ إبْلَاءَ الثِّيَابِ؟ وَإِنْ بَلِيَتْ الثِّيَابُ قَبْلَ السَّنَةِ فَكَيْفَ لَمْ يَجِبْ الْمَهْرُ؟ أَرَأَيْت إنْ قَالَ إنْسَانٌ إذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا يَوْمًا وَقَالَ آخَرُ يَوْمَيْنِ وَقَالَ آخَرُ شَهْرًا وَقَالَ آخَرُ عَشْرَ سِنِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ سَنَةً مَا الْحُجَّةُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا تَوْقِيتٌ لَمْ يُوَقِّتْهُ عُمَرُ وَلَا زَيْدٌ وَهُمَا اللَّذَانِ انْتَهَيْنَا إلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يُوَقَّتُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ فَهَكَذَا أَنْتُمْ فَمَا أَعْرِفُ لِمَا تَقُولُونَ مِنْ هَذَا إلَّا أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ جَمِيعِ أَقَاوِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ وَمَا عَلِمْت أَحَدًا سَبَقَكُمْ بِهِ فَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ الْعِنِّينُ سَنَةً فَهَذَا لَيْسَ بِعِنِّينٍ وَالْعِنِّينُ عِنْدَكُمْ إنَّمَا يُؤَجَّلُ سَنَةً مِنْ يَوْمِ تُرَافِعُهُ امْرَأَتُهُ إلَى السُّلْطَانِ وَلَوْ أَقَامَ مَعَهَا قَبْلَ ذَلِكَ دَهْرًا.

بَابٌ فِي الْقَسَامَةِ وَالْعَقْلِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ عَلَى أُصْبُعِ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنَزَا مِنْهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِلَّذِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمْ: أَتَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا؟ فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا مِنْ الْأَيْمَانِ فَقَالَ لِلْآخَرِينَ: احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِشَطْرِ الدِّيَةِ عَلَى السَّعْدِيِّينَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَخَالَفْتُمْ فِي هَذَا الْحُكْمِ كُلِّهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُمْ يَبْدَأُ الْمُدَّعُونَ بَلْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَطْرُ دِيَةٍ وَلَا أَقَلُّ وَلَا أَكْثَرُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ كُنْتُمْ ذَهَبْتُمْ إلَى مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ الْمُدَّعِينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ يَقْبَلْ الْمُدَّعُونَ أَيْمَانَهُمْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَإِلَى هَذَا ذَهَبْنَا وَهَكَذَا يَجِبُ عَلَيْكُمْ فِي كُلِّ أَمْرٍ وَجَدْتُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ سُنَّةً أَنْ تَصِيرُوا إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ دُونَ مَا خَالَفَهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَمَا كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ أَوْلَى أَنْ تَأْخُذُوا فِيهِ بِحُكْمِ عُمَرَ مِنْ هَذَا لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَقُولُوا هَذَا دَمُ خَطَأٍ وَاَلَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَمُ عَمْدٍ فَنَتَّبِعُ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>