للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يَكُونَ ضَحِيَّةً فَقَدْ تَأَوَّلْتُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَضَيَّقْتُمْ عَلَى غَيْرِكُمْ مَا دَخَلْتُمْ فِي مِثْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ أَخْطَأَ مَنْ جَعَلَ الصَّيْدَ مِنْ مَعْنَى الضَّحَايَا وَالْبُدْنِ بِسَبِيلِ مَا نَجِدُ أَحَدًا مِنْكُمْ يُعْرَفُ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكِيَهُ لِضَعْفِ مَذْهَبِكُمْ بِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ ثُمَّ تَنَاقُضِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَجَزَاءُ الصَّيْدِ ضَحَايَا قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ ضَحَايَا جَزَاءِ الصَّيْدِ بَدَلٌ مِنْ الصَّيْدِ وَالْبَدَلُ يَكُونُ مِنْهُ مَا يَكُونُ بَقَرَةً مِثْلَهُ فَأَرْفَعُ وَأُخْفِضُ مِنْهَا تَمْرَةً وَالتَّمْرَتَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ مَا يَكُونُ بِتَمْرَةٍ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بِبَدَنَةٍ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ بَيْنَ ذَلِكَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَالضَّحَايَا وَالْبُدْنِ قِيلَ: أَرَأَيْت الضَّحَايَا أَيَكُونُ عَلَى أَحَدٍ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَاةٍ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا قِيلَ أَفَرَأَيْت الْبُدْنَ أَلَيْسَتْ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا أَوْ شَيْئًا وَجَبَ بِإِفْسَادِ حَجٍّ؟ فَإِنْ قَالَ: بَلَى قِيلَ: أَفَرَأَيْت جَزَاءَ الصَّيْدِ أَلَيْسَ إنَّمَا هُوَ غُرْمٌ وَغَرِمَهُ مَنْ قَتَلَهُ بِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْقَتْلِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَحَكَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ لِلْمَسَاكِينِ الْحَاضِرِي الْكَعْبَةَ؟ فَإِنْ قَالَ: بَلَى قِيلَ: فَكَمَا تَحْكُمُ لِمَالِكِ الصَّيْدِ عَلَى رَجُلٍ لَوْ قَتَلَهُ بِالْبُدْنِ مِنْهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: فَإِذَا قَتَلَ نَعَامَةً كَانَتْ فِيهَا بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةَ وَحْشٍ كَانَتْ فِيهَا شَاةٌ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: أَفَتَرَى هَذَا كَالْأَضَاحِيِّ أَوْ كَالْهَدْيِ التَّطَوُّعِ أَوْ الْبُدْنِ أَوْ إفْسَادِ الْحَجِّ فَإِنْ قَالَ: قَدْ يَفْتَرِقَانِ قِيلَ: أَلَيْسَ إذَا أُصِيبَتْ نَعَامَةٌ كَانَتْ فِيهَا بَدَنَةٌ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْمِثْلِ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَزَالُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَ هَذَا بَدَلًا لِشَيْءٍ أَتْلَفَ فَكَانَ عَلَيَّ أَنْ أُغَرِّمَ أَكْثَرَ مِنْ الضَّحِيَّةِ فِيهِ لِمَ لَا يَكُونُ لِي أَنْ أُعْطِيَ دُونَ الضَّحِيَّةِ فِيهِ وَأَنْتَ قَدْ تَجْعَلُ ذَلِكَ لِي فَتَجْعَلُ فِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةً؟.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّمَا أَجْعَلُ عَلَيْك الْقِيمَةَ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ دُونَ مَا يَكُونُ ضَحِيَّةً قِيلَ: فَمَنْ قَالَ لَك: إنَّ شَيْئًا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ شَيْءٍ فَتَجْعَلُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ الْمِثْلَ مَا كَانَ ضَحِيَّةً فَأَعْلَى وَلَا تَجْعَلُ الضَّحِيَّةَ تُجْزِي فِيمَا قَتَلَ مِنْهُ مِمَّا هُوَ أَعْلَى مِنْهَا وَإِذَا كَانَ شَيْءٌ دُونَ الضَّحِيَّةِ لَمْ تَطْرَحْهُ عَنِّي بَلْ تَجْعَلُهُ عَلَيَّ بِمِثْلٍ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ضَحِيَّةً فَهُوَ فِي قَوْلِك لَيْسَ مِنْ مَعَانِي الضَّحَايَا فَإِنْ قَالَ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا نَاقِصًا وَضَحِيَّةً؟ قِيلَ: نَعَمْ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَمْرَةٌ وَقَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَدِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ هَدْيًا وَلَوْ لَمْ يَجُزْ كُنْت قَدْ أَخْطَأْت إذْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا أَصَبْت صَيْدًا مَرِيضًا أَوْ أَعْوَرَ أَوْ مَنْقُوصًا قُوِّمَ عَلَيَّ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ نَاقِصًا وَلَمْ تَقُلْ يُقَوَّمُ عَلَيَّ وَافِيًا فَمَثَّلْت الصَّيْدَ الصَّغِيرَ مَرَّةً بِالْإِنْسَانِ الْحَيِّ يُقْتَلُ مَنْقُوصًا فَيَكُونُ فِيهِ دِيَةٌ تَامَّةٌ وَزَعَمْت أُخْرَى أَنَّهُ إذَا قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ قَوَّمَهُ مَنْقُوصًا وَهَذَا قَوْلٌ يَخْتَلِفُ إنْ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْإِنْسَانِ الْحُرِّ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قِيمَتِهِ مَنْقُوصًا وَصَغِيرًا وَكَبِيرًا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُقْتَلُ مَرِيضًا وَمَنْقُوصًا كَهَيْئَتِهِ صَحِيحًا وَافِرًا وَإِنْ كَانَ قِيَاسًا عَلَى الْمَالِ يُتْلَفُ فَيُقَوِّمُهُ بِالْحَالِ الَّتِي أُتْلِفَ فِيهَا لَا بِغَيْرِهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَإِنْ قَالَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ هَدْيًا قُلْت الْهَدْيُ شَيْءٌ فَصَلْتُهُ مِنْ مَالِكٍ إلَى مَنْ أُمِرْت بِفَصْلِهِ إلَيْهِ كَالْهَدِيَّةِ تَخْرُجُهَا مِنْ مَالِك إلَى غَيْرِك فَيَقَعُ اسْمُ الْهَدْيِ عَلَى تَمْرَةٍ وَبَعِيرٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ وَمَأْكُولٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْهَدِيَّةِ عَلَى مَا قَلَّ وَكَثُرَ فَإِنْ قَالَ أَفَيَجُوزُ أَنْ تُذْبَحَ صَغِيرَةٌ مِنْ الْغَنَمِ فَتَتَصَدَّقَ بِهَا قُلْت: نَعَمْ كَمَا يَجُوزُ أَنْ تَتَصَدَّقَ بِتَمْرَةٍ وَالْهَدْيُ غَيْرُ الضَّحِيَّةِ وَالضَّحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ الْهَدْيُ بَدَلٌ وَالْبَدَلُ يَقُومُ مَقَامَ مَا أُتْلِفَ وَالضَّحِيَّةُ لَيْسَتْ بَدَلًا مِنْ شَيْءٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ قَالَ هَذَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا فَخَالَفْتُمْ إلَى غَيْرِ قَوْلٍ آخَرَ مِثْلِهِمْ وَلَا مَنْ سَلَفَ مِنْ الْأَئِمَّةِ عَلِمْته (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>