للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَأَنَّهُ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ وَقَوْلُهُ بِهَذَا كُلِّهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَعُثْمَانُ إذْ كَانَ مَعَهُ مَا وَصَفْت فِي تَخْمِيرِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مِنْ دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَمِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَمَرْوَانَ أَوْلَى أَنْ يُصَارَ إلَى قَوْلِهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْمُفْتِينَ بِالْبُلْدَانِ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَإِنَّا نَقُولُ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِك الصَّمْتُ حِينَ تَسْمَعُ كَلَامَ النَّاسِ حَتَّى تَعْرِفَ مِنْهُ فَإِنِّي أَرَاك تُكْثِرُ أَنْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ رَوِيَّةٍ فَقُلْت: وَمَا ذَلِكَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَعْنِي بِقَوْلِك وَمَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ الرَّأْسِ؟ أَتَعْنِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّأْسِ فِي الْإِحْرَامِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ فَقَالَ: أَفَتُخَمِّرُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ مَا فَوْقَ ذَقَنِهَا فَإِنَّ لِلْمُحْرِمَةِ أَنْ تُخَمِّرَ رَأْسَهَا فَقُلْت: لَا قَالَ: أَفَيَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إذَا لَبَّدَ رَأْسَهُ حَلْقُهُ أَوْ تَقْصِيرُهُ؟ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ: أَفَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِ مَا فَوْقَ الذَّقَنِ مِنْ وَجْهِهِ؟ فَقُلْت: لَا فَقَالَ لِي الشَّافِعِيُّ: وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ حُكْمِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ فَقَالَ: اغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْوَجْهَ مَا دُونَ الرَّأْسِ وَأَنَّ الذَّقَنَ مِنْ الْوَجْهِ وَقَالَ امْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فَكَانَ الرَّأْسُ غَيْرَ الْوَجْهِ فَقُلْت: نَعَمْ قَالَ: وَقَوْلُك لَا كَرَاهَةَ لِتَخْمِيرِ الْوَجْهِ بِكَمَالِهِ وَلَا إبَاحَةَ تَخْمِيرِهِ بِكَمَالِهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مُعَلِّمًا أَنْ يَبْدَأَ فَيُعَرِّفَ مَا يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ وَلَا يَنْطِقَ بِمَا لَا يَعْلَمُ وَهَذِهِ سَبِيلٌ لَا أَرَاك تَعْرِفُهَا فَاتَّقِ اللَّهَ وَامْسِكْ عَنْ أَنْ تَقُولَ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَمْ أَرَ مِنْ أَدَبِ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَك إلَّا أَنْ يَقُولَ الْقَوْلَ ثُمَّ يَصْمُتُ وَذَلِكَ أَنَّهُ " قَالَ: فِيمَا نَرَى " يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا بِمُنَاظَرَةِ غَيْرِهِ إلَّا بِمَا أَنْ صَمَتَ أَمْثَلُ بِهِ.

قُلْت لِلشَّافِعِيِّ: فَمِنْ أَيْنَ قُلْت أَيُّ صَيْدٍ صِيدَ مِنْ أَجْلِ مُحْرِمٍ فَأَكَلَ مِنْهُ لَمْ يَغْرَمْ فِيهِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إنَّمَا أَوْجَبَ غُرْمَهُ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} فَلَمَّا كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا جَنَى غَيْرُهُ فِدْيَةٌ كَمَا لَوْ قَتَلَ مِنْ أَجْلِهِ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ أَجْلِهِ عَقْلٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا قَوَدٌ فَإِنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قَالَ: وَلَمَّا كَانَ الصَّيْدُ مَقْتُولًا فَأَمْسَكَ الْمُحْرِمُ عَنْ أَكْلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ صِيدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ بِأَنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا مَقْتُولًا لَا فِدْيَةَ فِيهِ حِينَ قُتِلَ وَيَأْكُلُهُ بَشَرٌ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَكَلَهُ وَاحِدٌ فَدَاهُ وَإِنَّمَا نَقْطَعُ الْفِدْيَةَ فِيهِ بِالْقَتْلِ فَإِذَا كَانَ الْقَتْلُ وَلَا فِدْيَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَكُونَ فِدْيَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدَهَا قَتْلًا يُوجِبُ فِدْيَةً قُلْت: إنَّ الْأَكْلَ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُحْرِمِ وَإِنَّمَا أَمَرْتُهُ بِالْفِدْيَةِ لِذَلِكَ قَالَ: وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَلَا شُرْبُ خَمْرٍ وَلَا مُحَرَّمٍ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَهُوَ آثِمٌ بِالْأَكْلِ وَالْفِدْيَةُ فِي الصَّيْدِ إنَّمَا تَكُونُ بِالْقَتْلِ فَقُلْت: لِلشَّافِعِيِّ: فَهَلْ خَالَفَك فِي هَذَا غَيْرُنَا؟ فَقَالَ: مَا عَلِمْت أَحَدًا غَيْرَكُمْ زَعَمَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ صَيْدٍ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ فَدَاهُ بَلْ عَلِمْت أَنَّ مِنْ الْمَشْرِقِيِّينَ مَنْ قَالَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ وَلَوْلَا اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فِيهِ لَكَانَ الْقَوْلُ عِنْدَنَا قَوْلَهُ وَلَكِنَّهُ خَالَفَ الْحَدِيثَ فَخَالَفْنَاهُ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا عَلَيْهِ حُجَّةٌ بِخِلَافِ بَعْضِ الْحَدِيثِ فَهِيَ لَنَا عَلَيْك بِخِلَافِك بَعْضَهُ وَهُوَ يَعْرِفُ مَا يَقُولُ وَإِنْ زَلَّ عِنْدَنَا وَلَسْتُمْ وَاَللَّهُ يُعَافِينَا وَإِيَّاكُمْ تَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُونَ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى رَجُلًا سِلَاحًا لِيُقَوِّيَهُ عَلَى قَتْلِ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ فَقَتَلَهُ الْمُعْطَى كَانَ عَلَى الْمُعْطِي عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ مُسِيءٌ آثِمٌ بِتَقْوِيَةِ الْقَاتِلِ قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِجِنَايَةٍ عَلَى قَتْلِهِ وَرَضِيَهُ قَالَ: نَعَمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): أَفَلَا تَرَى هَذَا أَوْلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ عَقْلٌ أَوْ قَوَدٌ أَوْ كَفَّارَةٌ مِمَّنْ قُتِلَ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ لَا يَعْلَمُهُ فَأَكَلَهُ؟ فَإِذَا قُلْت إنَّمَا جُعِلَ الْعَقْلُ وَالْقَوَدُ بِالْقَتْلِ فَهَذَا غَيْرُ قَاتِلٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِهِ ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ مُبَاهَاةً. .

<<  <  ج: ص:  >  >>