للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَكَانَ يُجْبَرُ الْقَاطِعُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دِيَةَ الْيَدِ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِصَاصُ إمَّا أَنْ يَأْخُذَ وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}.

(قَرَأَ الرَّبِيعُ) إلَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فَمَا أَسْتَطِيعُ فِيهِ الْقِصَاصَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا الْقِصَاصُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَ فِيهِ دِيَةٌ وَلَا مَالٌ وَمَا كَانَ مِنْ خَطَأٍ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى اللَّهُ فِي الْخَطَأِ مِنْ الدِّيَةِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى أَهْلِهِ فَمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ هَذَا فَهُوَ مُدَّعٍ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى عَقْلٍ وَمَنْ وَجَبَ لَهُ عَقْلٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى قَوَدٍ فِي حُرٍّ وَلَا مَمْلُوكٍ فَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَمْلُوكِ فِي هَذَا وَبَيْنَ الْحُرِّ فَلْيَأْتِ عَلَيْهِ بِالْبُرْهَانِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ النَّاطِقِ وَمِنْ السُّنَّةِ الْمَعْرُوفَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} إِلَى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَسَمِعْت مِنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولُ كَانَ فِي أَهْلِ الْإِنْجِيلِ إذَا قَتَلُوا الْعَقْلُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ قِصَاصٌ وَكَانَ فِي أَهْلِ التَّوْرَاةِ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ دِيَةٌ فَحَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَنَّ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةَ إنْ شَاءَ الْوَلِيُّ أَوْ الْقِصَاصَ إنْ شَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} إلَى قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بَيِّنٌ فِي التَّنْزِيلِ مُسْتَغْنًى بِهِ عَنْ التَّأْوِيلِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْضُهُ وَلَمْ أَحْفَظْ عَنْهُ بَعْضَهُ فَقَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّهُ أَنْزَلَ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ إلَى وَلِيِّ الدَّمِ لِأَنَّ الْعَفْوَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ لَهُ الْقَوَدُ وَكَانَ بَيِّنًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقِصَاصَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَلِيُّ الدَّمِ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ لَمْ يَبْقَ لَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا ذَهَبَ حَقُّهُ وَلَمْ تَكُنْ دِيَةٌ يَأْخُذُهَا شَيْءٌ يَتْبَعُهُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يُؤَدَّى إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ.

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} فَكَانَ بَيِّنًا أَنَّهُ تَخْفِيفُ الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ.

وَقَالَ {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أَنْ يَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ الْقَتْلِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ فِي حَالٍ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ إذَا أَرَادَ.

قَالَ وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ شَبِيهًا بِمَا وَصَفْت فِي أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ وَدَلَّتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ مَعْنَاهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إنْ أَحَبُّوا الْعَقْلَ وَإِنْ أَحَبُّوا فَلَهُمْ الْقَوَدُ» أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مَعًا يَدُلَّانِ دَلَالَةً لَا إشْكَالَ فِيهَا أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ الْقَتْلَ وَيَأْخُذَ الْمَالَ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَ فَعَلَ لَيْسَ إلَى الْقَاتِلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي النَّفْسِ كَانَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ الْجِرَاحِ هَكَذَا وَكَانَ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ فِي عَبْدِهِ فَإِذَا قُتِلَ عَبْدُ رَجُلٍ فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةُ عَبْدِهِ الْمَقْتُولِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ، فَإِنْ أَدَّاهَا سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ مُتَطَوِّعًا فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ إلَّا ذَلِكَ إذَا عَفَا الْقِصَاصَ وَإِنْ أَبَى سَيِّدُ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا وَبِيعَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ أَوْ ثَمَنِهِ فَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ إلَّا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رُدَّ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ.

قَالَ وَإِذَا بَانَ الْفَضْلُ فِي الْعَبْدِ الْقَاتِلِ خُيِّرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ بَيْنَ أَنْ يُبَاعَ بَعْضُهُ حَتَّى يُوَفَّى هَذَا ثَمَنَهُ وَيَبْقَى هَذَا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ مِلْكِهِ أَوْ يُبَاعَ كُلُّهُ فَيُرَدَّ عَلَيْهِ فَضْلُهُ وَأَحْسَبُهُ سَيَخْتَارُ بَيْعَهُ كُلَّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ لِثَمَنِهِ.

وَكُلُّ نَفْسَيْنِ أَبَدًا قُتِلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى جَعَلْت الْقِصَاصَ بَيْنَهُمَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِأَنِّي إذَا جَعَلْت الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ الَّتِي هِيَ أَكْثَرُ كَانَ جَمِيعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>