للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ قَتَلَ رَجُلًا عَمْدًا قَتْلَ غِيلَةٍ أَوْ غَيْرَ غِيلَةٍ فَذَلِكَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا قَتَلَهُ قَتْلَ غِيلَةٍ مِنْ غَيْرِ ثَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَيْسَ لِوُلَاةِ الْمَقْتُولِ أَنْ يَعْفُوا عَنْهُ وَذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ يَقْتُلُ فِيهِ الْقَاتِلُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْدَقُ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} إلَى قَوْلِهِ {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} فَلَمْ يُسَمِّ فِي ذَلِكَ قَتْلَ الْغِيلَةِ وَلَا غَيْرَهَا فَمَنْ قُتِلَ وَلِيُّهُ فَهُوَ وَلِيُّهُ فِي دَمِهِ دُونَ السُّلْطَانِ إنْ شَاءَ قَتَلَ وَإِنْ شَاءَ عَفَا وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَى بِرَجُلٍ قَدْ قَتَلَ عَمْدًا فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ لَهُمْ النَّفْسُ فَلَمَّا عَفَا هَذَا أَحْيَا النَّفْسَ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ حَتَّى يَأْخُذَ غَيْرُهُ قَالَ فَمَا تَرَى قَالَ أَرَى أَنْ تَجْعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَتَرْفَعَ حِصَّةَ الَّذِي عَفَا فَقَالَ عُمَرُ وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ عَفَا مِنْ ذِي سَهْمٍ فَعَفْوُهُ عَفْوٌ فَقَدْ أَجَازَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ الْعَفْوَ مِنْ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَسْأَلُوا أَقَتْلُ غِيلَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَوْ غَيْرُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٍ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ مِصْرٍ أَوْ مُكَابَرَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً عَلَى مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ قُتِلَ نَائِرَةً فَالْقِصَاصُ وَالْعَفْوُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ وَلَيْسَ إلَى السُّلْطَانِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ إلَّا الْأَدَبَ إذَا عَفَا الْوَلِيُّ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرَّجُلِ يُمْسِكُ الرَّجُلَ لِلرَّجُلِ فَيَضْرِبُهُ بِسِلَاحٍ فَيَمُوتُ مَكَانَهُ إنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْمُمْسِكِ وَالْقَوَدُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَكِنَّ الْمُمْسِكَ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ فِي السِّجْنِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إنْ أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قُتِلَا بِهِ جَمِيعًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ كَيْفَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ وَلَمْ يَقْتُلْ وَإِذَا أَمْسَكَهُ وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا يُرِيدَ قَتْلَهُ فَتَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ قَالُوا لَا إنَّمَا نَقْتُلُهُ إذَا ظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَهُ قِيلَ لَهُمْ فَلَا نَرَى الْقَوَدَ فِي قَوْلِكُمْ يَجِبُ عَلَى الْمُمْسِكِ إلَّا بِظَنِّهِ وَالظَّنُّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا دَلَّ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ وَاَلَّذِي دَلَّ يَرَى أَنَّهُ سَيَقْتُلُهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ أَيُقْتَلُ الدَّالُّ وَالْقَاتِلُ جَمِيعًا وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا الدَّالَّ كَمَا تَقْتُلُونَ الْمُمْسِكَ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ أَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَالْآمِرُ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ يُقْتَلَا جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا حَبَسَ امْرَأَةً لِرَجُلٍ حَتَّى زَنَى بِهَا أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَوْ يُحَدُّ الَّذِي فَعَلَ الْفِعْلَ؟ فَإِنْ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَيُرْجَمَانِ جَمِيعًا؟ يَنْبَغِي لِمَنْ قَالَ يُقْتَلُ الْمُمْسِكُ أَنْ يَقُولَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا سَقَى خَمْرًا أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا حَدَّ الْخَمْرِ أَمْ يُحَدُّ الشَّارِبُ خَاصَّةً؟ أَرَأَيْتُمْ رَجُلًا أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى رَجُلٍ فَافْتَرَى عَلَيْهِ أَيُحَدَّانِ جَمِيعًا أَمْ يُحَدُّ الْقَاذِفُ خَاصَّةً؟ يَنْبَغِي فِي قَوْلِكُمْ أَنْ يُحَدَّا جَمِيعًا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لَا يُحَدُّ إلَّا الْفَاعِلُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا الْقَاتِلُ وَلَكِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>