للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا فِيهِ الْقَاطِعُ وَلَا أَقْتَصُّ مِنْ عَظْمٍ فَلِذَلِكَ جَعَلْت فِي ذَلِكَ الدِّيَةَ قَالَ وَقَدْ اجْتَمَعْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ لَا قَوَدَ فِي مَأْمُومَةٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ رَأَى الْقَوَدَ فِي الْعِظَامِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْمَأْمُومَةِ لِأَنَّهَا عَظْمٌ كُسِرَ فَوَصَلَ إلَى الدِّمَاغِ وَلَمْ يُصِبْ الدِّمَاغَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَجْعَلَ فِي الْمُنَقِّلَةِ الْقَوَدَ وَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ عَظْمِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَلَمْ يُقْتَصَّ مِنْ كَسْرِ عَظْمِ الرَّأْسِ فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا افْتِرَاقٌ وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْهَاشِمَةِ وَهِيَ الشَّجَّةُ الَّتِي هَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ فَإِنْ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ هَذَا فَقَدْ تَرَكَ قَوْلَهُ فِي كَسْرِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَقَدْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذَاتَ يَوْمٍ كُنَّا لَا نَقُصُّ مِنْ الْأَصَابِعِ حَتَّى قَصَّ مِنْهَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ قَاضٍ عَلَيْهِمْ فَقَصَصْنَا مِنْهَا فَلَيْسَ يَعْدِلُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ فِي الْأَشْيَاءِ بِمَا عَمِلَ بِهِ عَامِلٌ فِي بِلَادِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَعْقُولٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقِصَاصِ إذْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الْآيَةَ إنَّمَا هُوَ إفَاتَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فَهَذَا سَوَاءٌ وَفِي قَوْلِهِ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} إنَّمَا هُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْجَارِحِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْمَجْرُوحِ فَلَا نَقْصَ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا فِي شَيْءٍ يُفَاتُ مِنْ الَّذِي أَفَاتَ مِثْلَ عَيْنٍ وَسِنٍّ وَأُذُنٍ وَلِسَانٍ وَغَيْرِ هَذَا مِمَّا يُفَاتُ فَهَذَا يُفَاتُ إفَاتَةَ النَّفْسِ أَوْ جُرِحَ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْجَارِحِ كَمَا أَخَذَ مِنْ الْمَجْرُوحِ فَإِذَا كَانَ عَلَى الِابْتِدَاءِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى أَنَّهُ يَقُصُّ مِنْهُ فَلَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ اقْتَصَّ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ أَنْ لَا يُقِصَّ مِنْهُ كَسْرُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ دُونَ عَظْمِهِمَا حَائِلًا مِنْ جِلْدٍ وَعُرُوقٍ وَلَحْمٍ وَعَصَبٍ مَمْنُوعٌ إلَّا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَوْ اسْتَبْقَيْنَا أَنْ نَكْسِرَ عَظْمَهُ كَمَا كَسَرَ عَظْمَهُ لَا نَزِيدُ فِيهِ وَلَا نَنْقُصُ فَعَلْنَا وَلَكِنَّا لَا نَصِلُ إلَى الْعَظْمِ حَتَّى نَنَالَ مِمَّا دُونَهُ مِمَّا وَصَفْت مِمَّا لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ مِمَّا هُوَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِمَّا نَالَ مِنْ غَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنْ لَا نَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَسْرٌ كَكَسْرٍ أَبَدًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْمَأْمُومَةُ وَالْمُنَقِّلَةُ وَالْهَاشِمَةُ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَنْ جَنَاهَا فَقَدْ شَقَّ بِهَا اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ فَنَشُقُّ اللَّحْمَ وَالْجِلْدَ كَمَا شَقَّهُ وَنُهَشِّمُ الْعَظْمَ أَوْ نَنْقُلهُ أَوْ نَؤُمُّهُ فَنَخْرِقُهُ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَظْمِ وَهُوَ بَارِزٌ فَهُوَ لَمْ يَتَعَذَّرْ دُونَهُ فَكَذَلِكَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَظْمِ دُونَهُ غَيْرُهُ.

(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا غَنِمَ جُنْدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَنِيمَةً فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَلَا يَقْتَسِمُونَهَا حَتَّى يُخْرِجُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَحُوزُوهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَزْوَةٍ أَصَابَ فِيهَا مَغْنَمًا إلَّا خَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْفِلَ مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَخَيْبَرَ وَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ حِينَ افْتَتَحَهَا صَفِيَّةَ وَقَتَلَ كِنَانَةَ بْنَ الرَّبِيعِ وَأَعْطَى أَخِيهِ دِحْيَةَ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَهُ وَعَلَيْهِ جُيُوشُهُمْ فِي أَرْضِ الرُّومِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَخِلَافَةِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ثُمَّ هَلُمَّ جَرًّا وَفِي أَرْضِ الشِّرْكِ حِينَ هَاجَتْ الْفِتْنَةُ وَقُتِلَ الْوَلِيدُ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - افْتَتَحَ بِلَادَهُمْ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَصَارَتْ بِلَادُهُمْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَبَعَثَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ فَأَخَذَ صَدَقَاتِهِمْ وَعَلَى هَذِهِ الْحَالِ كَانَتْ خَيْبَرُ حِينَ افْتَتَحَهَا وَصَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ وَعَامَلَهُمْ عَلَى النَّخْلِ وَعَلَى هَذَا كَانَتْ حُنَيْنٌ وَهَوَازِنُ وَلَمْ يُقَسِّمْ فَيْءَ حُنَيْنٍ إلَّا بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ عَنْ الطَّائِفِ حِينَ سَأَلَهُ النَّاسُ وَهُمْ بِالْجِعْرَانَةِ أَنْ يُقَسِّمَهُ بَيْنَهُمْ.

فَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى دَارٍ وَأَثْخَنَ أَهْلَهَا فَيَجْرِي حُكْمُهُ عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَسِّمَ الْغَنِيمَةَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>