للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَهْمُ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ وَتَفْضِيلِ الْخَيْلِ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُضْرَبُ لِلْفَارِسِ بِسَهْمَيْنِ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمٌ لِفَرَسِهِ وَيُضْرَبُ لِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ وَاحِدٍ» وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْفَرَسُ وَالْبِرْذَوْنُ سَوَاءٌ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ حَتَّى هَاجَتْ الْفِتْنَةُ لَا يُسْهِمُونَ لِلْبَرَاذِينِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكْرَهُ أَنْ تُفَضَّلَ بَهِيمَةٌ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَيُجْعَلَ سَهْمُهَا فِي الْقَسْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَهْمِهِ. فَأَمَّا الْبَرَاذِينُ فَمَا كُنْت أَحْسَبُ أَحَدًا يَجْهَلُ هَذَا وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْفَرَسِ وَالْبِرْذَوْنِ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْعَرَبُ أَنْ تَقُولَ هَذِهِ الْخَيْلُ وَلَعَلَّهَا بَرَاذِينُ كُلُّهَا أَوْ جُلُّهَا وَيَكُونُ فِيهَا المقاريف أَيْضًا وَمِمَّا نَعْرِفُ نَحْنُ فِي الْحَرْبِ أَنَّ الْبَرَاذِينَ أَوْفَقُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْفَرَسَانِ مِنْ الْخَيْلِ فِي لِينِ عِطْفِهَا وَقَوَدِهَا وَجَوْدَتِهَا مِمَّا لَمْ يُبْطِلْ الْغَايَةَ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ عَلَى هَذَا كَانَتْ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا سَلَفَ فَهَذَا كَمَا وَصَفَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ أَوْ رَأْي بَعْضِ مَشَايِخِ الشَّامِ مِمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَلَا التَّشَهُّدَ وَلَا أُصُولَ الْفِقْهِ صَنَعَ هَذَا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ بِهَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْفَارِسِ أَنَّ لَهُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأُخْبِرْنَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ لِلْفَارِسِ بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ بِسَهْمٍ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَأَمَّا مَا حَكَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا خَبَرٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَانَ مَحْجُوجًا بِخِلَافِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُفَضِّلُ بَهِيمَةً عَلَى مُسْلِمٍ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَ أَعْطَى بِسَبَبِ الْفَرَسِ سَهْمَيْنِ كَانَ مُفَضِّلًا عَلَى الْمُسْلِمِ إذْ كَانَ إنَّمَا يُعْطِي الْمُسْلِمَ سَهْمًا انْبَغَى لَهُ أَنْ لَا يُسَوِّيَ الْبَهِيمَةَ بِالْمُسْلِمِ وَلَا يُقَرِّبَهَا مِنْهُ وَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ عَرَبِيٌّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنْ يُعْطِيَ الْفَارِسَ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ إلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} فَإِذَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَفْنَا فَإِنَّمَا سَهْمَا الْفَرَسِ لِرَاكِبِهِ لَا لِلْفَرَسِ وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ بِعَنَائِهِ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ فِيهِ وَمَا مَلَّكَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْأَوْزَاعِيِّ الْفَرَسَ عَلَى الْهَجِينِ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَجْمَعُهُمَا فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ أَغَارَتْ الْخَيْلُ بِالشَّامِ فَأَدْرَكَتْ الْخَيْلُ مِنْ يَوْمِهَا وَأَدْرَكَتْ الْكَوَادِنُ ضُحًى وَعَلَى الْخَيْلِ الْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي حَمْصَةَ الْهَمْدَانِيُّ فَفَضَّلَ الْخَيْلَ عَلَى الْكَوَادِنِ وَقَالَ لَا أَجْعَلُ مَا أَدْرَكَ كَمَا لَمْ يُدْرِكْ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ هَبِلَتْ الْوَادِعِيَّ أُمُّهُ لَقَدْ أَذْكَرَتْ بِهِ أَمْضُوهَا عَلَى مَا قَالَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَهُمْ يَرْوُونَ فِي هَذَا أَحَادِيثَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَثْبَتُ مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فَإِنْ كَانَ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ حُجَّةٌ فَهِيَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ وَاَلَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ وَالْبَرَاذِينِ وَالْمَقَارِيفِ وَلَوْ كُنَّا نُثْبِتُ مِثْلَ هَذَا مَا خَالَفْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي الدِّيوَانِ رَاجِلًا وَدَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ غَازِيًا رَاجِلًا ثُمَّ ابْتَاعَ فَرَسًا يُقَاتِلُ عَلَيْهِ وَأُحْرِزَتْ الْغَنِيمَةُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>