للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَتَبَ إلَى عُمَّالِهِ فِي الْمُقَاتِلَةِ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِإِجَازَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ أُحُدٍ وَمَا أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فِي سَفَرٍ مِنْ أَسْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ فَإِنَّ أَسْمَاءَ وَلَدَتْهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَثَبَتَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالْفُتْيَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ غَزْوَهُمْ وَمُقَامَهُمْ فِيهِ كَانَ أَقَلَّ مُدَّةٍ مِنْ أَنْ يَتَفَرَّغُوا لِلنِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْحُجَّةُ فِي هَذَا مِثْلُ الْحُجَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلُ فِي النِّسَاءِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ يُرْضَخُ لِلْغِلْمَانِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُمْ وَلَا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ وَيُرْضَخُ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُسْلِمُ ثُمَّ يَلْحَقُ بِعَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّهُ لَا يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمٍ إلَّا أَنْ يَلْقَى الْمُسْلِمُونَ قِتَالًا فَيُقَاتِلَ مَعَهُمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى اللَّهِ وَإِلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا غَنَائِمَهُمْ فَحَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إسْهَامُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فَكِّرْ فِي قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَفْتَى فِي جَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دَخَلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَدَدًا لِلْجَيْشِ الَّذِي فِيهَا أَنَّهُمْ لَا يُشْرَكُونَ فِي الْمَغَانِمِ وَقَالَ فِي هَذَا أَشْرِكْهُ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَمَا غَنِمُوا وَالْجَيْشُ الْمُسْلِمُونَ الْمَدَدُ الَّذِينَ شَدَّدُوا ظُهُورَهُمْ وَقَوَّوْا مِنْ ضَعْفِهِمْ وَكَانُوا رِدْءًا لَهُمْ وَعَوْنًا لَا يُشْرِكُونَهُمْ وَيُشْرِكُ الَّذِي قَاتَلَهُمْ وَدَفَعَهُمْ عَنْ الْغَنِيمَةِ بِجَهْدِهِ وَقُوَّتِهِ حَتَّى أَعَانَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَسْلَمَ فَأَخَذَ نَصِيبَهُ.

سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَشَدَّ هَذَا الْحُكْمَ وَالْقَوْلَ وَمَا نَعْلَمُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِمِثْلِ هَذَا وَبَلَغَنَا أَنَّ رَهْطًا أَسْلَمُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَعْلُومٌ عِنْدَ غَيْرِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقِيت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْغَزَوَاتِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ إنَّمَا الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَبِهَذَا نَقُولُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا يَحْضُرُنِي حِفْظُهُ فَمَنْ شَهِدَ قِتَالًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَخَرَجَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُشْرِكًا فَأَسْلَمَ أَوْ عَبْدًا فَأُعْتِقَ وَجَاءَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ شَرِكَ فِي الْغَنِيمَةِ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَرْبُ وَإِنْ لَمْ تُحْرَزْ الْغَنَائِمُ لَمْ يَشْرَكْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَشْرَكَ فِي الْغَنِيمَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ وَيَكُونُ رِدْءًا لِأَهْلِ الْقِتَالِ غَازِيًا مَعَهُمْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِمَنْ قَارَبَ بِلَادَ الْعَدُوِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ مَجْمُوعُونَ عَلَى الْغَوْثِ لِمَنْ دَخَلَ بِلَادَ الْحَرْبِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّاجِرِ يَكُونُ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَيَكُونُ فِيهَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ قَدْ أَسْلَمَ فَيَلْحَقَانِ جَمِيعًا بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَمَا يُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لَهُمَا إذْ لَمْ يَلْقَ الْمُسْلِمُونَ قِتَالًا بَعْدَ لِحَاقِهِمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُسْهَمُ لَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَيْفَ يُسْهَمُ لِهَذَيْنِ وَلَا يُسْهَمُ لِلْجُنْدِ الَّذِينَ هُمْ رِدْءٌ لَهُمْ وَمَعُونَةٌ؟ مَا أَشَدَّ اخْتِلَافَ هَذَا الْقَوْلِ؟، وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ أَسْهَمَ لِهَؤُلَاءِ وَلَيْسُوا عِنْدَنَا مِمَّنْ يُسْهَمُ لَهُمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فِي التَّاجِرِ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ يُسْلِمُ فِي بِلَادِ الْحَرْبِ يَلْتَقِيَانِ بِالْمُسْلِمِينَ لَا يُسْهَمُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَلْقَيَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالًا فَيَشْتَرِكَانِ فِيمَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِنَا الْأَوَّلِ وَكَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ هَذَا أَنْ يَقُولَهُ فِي الْمَدَدِ فَقَدْ قَالَ فِي الْمَدَدِ خِلَافَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الْمَدَدَ يُشْرِكُونَ الْجَيْشَ مَا لَمْ يَخْرُجْ بِالْغَنِيمَةِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ فَإِنْ قَالَ عَلَى أُولَئِكَ عَنَاءٌ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَيْنِ فَقَدْ يَنْبَعِثُونَ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِسَاعَةٍ وَلَا يَجْعَلُ لَهُمْ شَيْئًا فَلَوْ جَعَلَ لَهُمْ ذَلِكَ بِالْعَنَاءِ جَعَلَهُ مَا لَمْ تُقْسَمْ الْغَنِيمَةُ وَلَوْ جَعَلَهُ بِشُهُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>