للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحُكْمِ اللَّهِ كُلَّ رِبًا أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ وَلَمْ يُقْبَضْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا قَبَضَ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَكَذَا حَكَمَ فِي الْأَزْوَاجِ عَفَا الْعُقْدَةَ وَنَظَرَ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَمْلُوكًا بِالْعُقْدَةِ فَمَا أُحِلَّ فِيهِ مِنْ الْعَدَدِ أَقَرَّهُ وَمَا حُرِّمَ مِنْ الْعَدَدِ نَهَى عَنْهُ.

فِي الْمُسْلِمِ يَدْخُلُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَيَشْتَرِي دَارًا أَوْ غَيْرَهَا

سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ رَقِيقًا ثِيَابًا فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ أَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ فَهِيَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الرَّقِيقُ وَالْمَتَاعُ فَهُوَ لِلرَّجُلِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ «فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً فَخَلَّى بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَرْضِهِمْ وَدُورِهِمْ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَجْعَلْهَا فَيْئًا» قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَفَا عَنْ مَكَّةَ وَأَهْلِهَا وَقَالَ مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» وَنَهَى عَنْ الْقَتْلِ إلَّا نَفَرًا قَدْ سَمَّاهُمْ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ أَحَدًا فَيَقْتُلَ وَقَالَ لَهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ «مَا تَرَوْنَ أَنِّي صَانِعٌ بِكُمْ؟ قَالُوا خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ» وَلَمْ يَجْعَلْ شَيْئًا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا مِنْ مَتَاعِهِمْ فَيْئًا وَقَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِي هَذَا كَغَيْرِهِ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ وَتَفَهَّمْ فِيمَا أَتَاك عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ لِذَلِكَ وُجُوهًا وَمَعَانِيَ فَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ وَالرَّقِيقُ لِلَّذِي اشْتَرَى وَالدُّورُ وَالْأَرْضُونَ فَيْءٌ لِأَنَّ الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ لَا تُحَوَّلُ وَلَا يَحُوزُهَا الْمُسْلِمُ وَالْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ تُحْرَزُ وَتُحَوَّلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): الْقَوْلُ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَصْنَعْ فِي الْحَجَّةِ بِمَكَّةَ وَلَا أَبُو يُوسُفَ شَيْئًا لَمْ يَدْخُلْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْوَةً وَإِنَّمَا دَخَلَهَا سِلْمًا وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ أَمَانٌ وَاَلَّذِينَ قَاتَلُوا وَأَذِنَ فِي قَتْلِهِمْ هُمْ أَبْعَاضُ قَتَلَةِ خُزَاعَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ بِمَكَّةَ دُورٌ وَلَا مَالٌ إنَّمَا هُمْ قَوْمٌ هَرَبُوا إلَيْهَا فَأَيَّ شَيْءٍ يَغْنَمُ مِمَّنْ لَا مَالَ لَهُ؟ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ فَلَمْ يُعْقَدْ لَهُمْ الْأَمَانُ وَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّهُمْ بَدَءُوهُ ثُمَّ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ يَظْهَرُوا لَهُمْ حِمَى شَيْءٍ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ صَارَ إلَى قَبُولِ الْأَمَانِ بِإِلْقَاءِ السِّلَاحِ وَدُخُولِ دَارِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَغْلَقَ دَارِهِ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ» فَمَالُ مَنْ يَغْنَمُ مَالُ مَنْ لَهُ أَمَانٌ وَلَا غَنِيمَةَ عَلَى مَالِ هَذَا وَمَا يَقْتَدِي فِيمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِمَا صَنَعَ أَرَأَيْت حِينَ قُلْنَا نَحْنُ وَهُوَ فِي رِجَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْمَأْمُورِ بِهِ إنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يُفَادِيَ بِهِمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ أَلَيْسَ إنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَارَ فِيهِمْ بِهَذِهِ السِّيرَةِ كُلِّهَا أَفَرَأَيْت إنْ عَارَضَنَا أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا عَارَضَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لَيْسَ لِإِمَامٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَلِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ لِلنَّاسِ أَوْ قَالَ فِي كُلِّ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إعْطَاءِ السَّلَبِ وَقَسْمِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَيْسَ هَذَا لِلْإِمَامِ هَلْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُعَلِّمَ بَيَّنَ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَمَا فَعَلَ فَهُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْنَا أَنْ نَفْعَلَهُ فَكَذَلِكَ هِيَ عَلَى أَبِي يُوسُفَ وَلَوْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَنْوَةً فَتَرَكَ لَهُمْ أَمْوَالَهُمْ قُلْنَا فِيمَا ظَهَرَ عَلَيْهِ عَنْوَةً لَنَا أَنْ نَتْرُكَ لَهُ مَالَهُ كَمَا لَنَا فِي الْأُسَارَى أَنْ نَحْكُمَ فِيهِمْ أَحْكَامًا مُخْتَلِفَةً كَمَا حَكَمَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ خَصَّ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَشْيَاءَ قِيلَ كُلُّهَا مُبَيَّنَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ فِيهِمَا مَعًا وَلَوْ جَازَ إذْ كَانَ مَخْصُوصًا بِشَيْءٍ فَيُبَيِّنُهُ اللَّهُ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>