للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ عَلَى دِينِهِ حَتَّى يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ مُسْلِمٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): «سَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ فَبَاعَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَاشْتَرَى أَبُو الشَّحْمِ الْيَهُودِيُّ أَهْلَ بَيْتٍ عَجُوزٍ وَوَلَدِهَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا بَقِيَ مِنْ السَّبَايَا أَثْلَاثًا ثُلُثًا إلَى تِهَامَةَ وَثُلُثًا إلَى نَجْدٍ وَثُلُثًا إلَى طَرِيقِ الشَّامِ فَبِيعُوا بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَالْإِبِلِ وَالْمَالِ وَفِيهِمْ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ» وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَطْفَالِ مَعَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَطْفَالِ مَنْ لَا أُمَّ لَهُ فَإِذَا سُبُوا مَعَ أُمَّهَاتِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَاعُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ لَوْ سُبُوا مَعَ آبَائِهِمْ وَلَوْ مَاتَ أُمَّهَاتُهُمْ وَآبَاؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا فَيَصِفُوا الْإِسْلَامَ لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ عَلَى دِينِ الْأُمَّهَاتِ وَالْآبَاءِ إذَا كَانَ السَّبَاءُ مَعًا وَلَنَا بَيْعُهُمْ بَعْدَ مَوْتِ أُمَّهَاتِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ حُكْمَ الشِّرْكِ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ إذَا تَرَكْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمْ كَمَا حَكَمْنَا بِهِ وَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ إذَا لَزِمَهُمْ حُكْمُ الشِّرْكِ كَانَ لَنَا بَيْعُهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْبَوَالِغُ قَدْ «اسْتَوْهَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَةً بَالِغَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَفَدَى بِهَا رَجُلَيْنِ».

الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ تُسْبَيَانِ هَلْ يَطَؤُهُمَا سَيِّدُهُمَا إذَا دَخَلَ بِأَمَانٍ

سُئِلَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمُدَبَّرَةِ أَسَرَهَا الْعَدُوُّ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَدَخَلَ سَيِّدُهُمَا بِأَمَانٍ فَقَالَ إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَهُمَا إنْ لَقِيَهُمَا لِأَنَّهُمَا لَهُ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَحُوزُوهُمَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَ فَرْجًا يَطَؤُهُ الْمَوْلَى سِرًّا وَالزَّوْجُ الْكَافِرُ عَلَانِيَةً وَلَوْ لَقِيَهَا وَلَيْسَ لَهَا زَوْجٌ مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى يُخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَيَخْرُجَ بِهَا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ مِنْهَا كَانُوا أَمْلَكَ بِهِ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ هَذَا يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَطَأَ السَّبْيَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَكَرِهَ أَنْ يَطَأَ أُمَّ الْوَلَدِ الَّتِي لَا شَأْنَ لَهُ فِي مِلْكِهَا كَيْفَ هَذَا؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَارِ مُقَامٍ وَكُرِهَ لَهُ الْمُقَامُ فِيهَا وَكُرِهَ لَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا نَسْلٌ عَلَى قِيَاسِ مَا قَالَ فِي مُنَاكَحَتِهِمْ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ لَيْسَ يَمْلِكُهُمَا الْعَدُوُّ وَكَانَ يَقُولُ إنْ وَطِئَهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ وَطِئَ مَا يَمْلِكُ وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ هُنَالِكَ يَطَؤُهَا أَنَّ لِمَوْلَاهَا أَنْ يَطَأَهَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ قَوْلَ الْأَوْزَاعِيِّ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ بِوَطْءِ السَّبْيِ بِبِلَادِ الْعَدُوِّ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ وَطِئَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ «وَعَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَفِيَّةَ بِالصَّهْبَاءِ» وَهِيَ غَيْرُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَالسَّبْيُ قَدْ جَرَى عَلَيْهِمْ الرِّقُّ وَانْقَطَعَتْ الْعِصَمُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ يَمْلِكُهُمْ بِنِكَاحٍ أَوْ شِرَاءٍ وَكَرِهَ الْأَوْزَاعِيُّ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ أُمَّ وَلَدِهِ وَهِيَ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكْرَهَ هَذَا فِي أَصْلِ قَوْلِهِ مِنْ الْأَوْزَاعِيِّ مِنْ قِبَلِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدِهِمَا مَا يَزْعُمُ أَنَّ شَاهِدَيْنِ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِزُورٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَنْكِحَهَا حَلَالًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُنْسَبَ فِي تَنَاقُضِ الْقَوْلِ فِي هَذَا مِنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ أُمَّ وَلَدِهِ وَأَمَتَهُ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَوْ ظَفِرُوا بِشَيْءٍ أَحْرَزَهُ الْعَدُوُّ وَحَضَرَ صَاحِبُهُ قَبْلَ الْقَسْمِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>