للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْجَفُوا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مَلَكُوهُ مِلْكًا تَامًّا مَا كَانَ إلَّا لِمَنْ أَوْجَفَ عَلَيْهِ كَمَا يَكُونُ سَائِرُ مِلْكِهِمْ غَيْرَ أَنَّا نُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا شَرِكَهُ فِي بُضْعِ جَارِيَتِهِ غَيْرُهُ أَنْ يَتَوَقَّى وَطَأْهَا لِلْوَلَدِ.

الرَّجُلُ يَشْتَرِي أَمَتَهُ بَعْدَمَا يُحْرِزُهَا الْعَدُوُّ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَطَؤُهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَطَؤُهَا وَكَانَ يَنْهَى عَنْ هَذَا أَشَدَّ النَّهْيِ وَيَقُولُ قَدْ أَحْرَزَهَا أَهْلُ الشِّرْكِ وَلَوْ أَعْتَقُوهَا جَازَ عِتْقُهُمْ فَكَيْفَ يَطَؤُهَا مَوْلَاهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَالْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ يَمْلِكُونَ الْأَمَةَ وَلَا يَمْلِكُونَ أُمَّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُدَبَّرَةِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَمَتَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَمَا يُحْرِزُونَهَا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَطَأَهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا كَمَا لَا يَطَؤُهَا لَوْ نُكِحَتْ نِكَاحًا فَاسِدًا وَأُصِيبَتْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَقَدْ صَارَتْ إلَى مَنْ كَانَ يَسْتَحِلُّهَا وَكَذَلِكَ أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةُ وَلَيْسَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِلْكًا صَحِيحًا لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ يُوجِفُ عَلَى مَا أَحْرَزُوا الْمُسْلِمُونَ فَيَمْلِكُونَهُ مِلْكًا يَصِحُّ عَنْ الْمُشْرِكِينَ فَيَأْتِي صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقَسَّمَ فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ الْمُوجِفِينَ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَمْلِكُ الْعَدُوُّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ مَنَعَ اللَّهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِدِينِهِ وَخَوَّلَهُمْ عَدُوَّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَهُمْ يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ مَتَى قَدَرُوا عَلَيْهَا؟ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ يَمْلِكُونَهُ مَتَى قَدَرُوا عَلَيْهِ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِمْ؟ هَذَا مُحَالٌ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيَّ مَنْ أَمْلِكُهُ مَتَى قَدَرْت عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْتَقُوا جَمِيعَ مَا أَحْرَزُوا مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ عِتْقٌ وَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعِتْقُ فِيمَا غَصَبَ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» فَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ وَلَوْ ثَبَتَ كَانَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ فَهُوَ لَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قِيلَ أَرَأَيْتَ لَوْ اسْتَرَقُّوا أَحْرَارًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَسْلَمُوا عَلَيْهِمْ أَيَكُونُونَ لَهُمْ فَإِنْ قَالَ لَا قِيلَ فَيَدُلُّ هَذَا عَلَى خِلَافِك الْحَدِيثُ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا فَإِنْ قَالَ مَا هَذَا الَّذِي يَجُوزُ لَهُمْ مِلْكُهُ؟ قِيلَ مِثْلُ مَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ مِلْكُهُ. فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ ذَلِكَ؟ قِيلَ مِثْلُ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ وَأَخْذِهِمْ لِأَمْوَالِهِمْ فَذَلِكَ لَهُمْ جَائِزٌ حَلَالٌ فَإِنْ سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مَالَ بَعْضٍ ثُمَّ أَسْلَمَ السَّابِي الْآخِذُ فَهُوَ لَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ رَقَبَةً وَمَالًا غَيْرَ مَمْنُوعٍ وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِينَ فَمَا مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ حَتَّى لَوْ أَنَّ مُسْلِمًا أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ عَلَيْهِ رَدُّهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكُهُ فَالْمُشْرِكُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ.

الْحَرْبِيُّ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ يُسْلِمُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُ بِهَا مَالٌ ثُمَّ يَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّارِ إنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ مَا كَانَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَرَقِيقِهِ وَمَتَاعِهِ وَوَلَدِهِ الصِّغَارِ وَمَا كَانَ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ فَهُوَ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ إذَا كَانَتْ كَافِرَةً فَإِذَا كَانَتْ حُبْلَى فَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَانَتْ مَكَّةُ دَارَ حَرْبٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمُونَ وَفِيهَا رِجَالٌ مُسْلِمُونَ فَلَمْ يَقْبِضْ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>