للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّ دَمَهُ مُبَاحٌ فَمَا دُونَ دَمِهِ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ مِنْ دَمِهِ.

(قَالَ): وَإِنْ أَعْتَقَ فِي رِدَّتِهِ أَحَدًا مِنْ رَقِيقِهِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ وَيُسْتَغَلُّ الْعَبْدُ، وَيُوقَفُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَغَلَّتُهُ مَعَ عُنُقِهِ فَيْءٌ، وَإِنْ رَجَعَ تَائِبًا فَهُوَ حُرٌّ، وَلَهُ مَا غَلَّ بَعْدَ الْعِتْقِ (قَالَ): وَإِنْ أَقَرَّ فِي رِدَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ كَمَا وَصَفْتُ فِي الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ (قَالَ): وَإِنْ، وَهَبَ فَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ يُعْتِقُ فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ وَيَتَصَدَّقُ فَتَبْطُلُ صَدَقَتُهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِلَايَةِ؟ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فَكَانَ قَضَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُحْبَسَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا وَيُؤْنَسَ مِنْهُمْ رُشْدٌ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا أَمْرَ لَهُمْ، وَأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِرَحْمَةِ اللَّهِ لِصَلَاحِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَمْ يُسَلَّطُوا عَلَى إتْلَافِهَا فِيمَا لَا يَلْزَمُهُمْ وَلَا يُصْلِحُ مَعَايِشَهُمْ فَبَطَلَ مَا أَتْلَفُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ عِتْقٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَلَمْ يُحْبَسْ مَالُ الْمُرْتَدِّ بِنَظَرِ مَالِهِ وَلَا بِأَنَّهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا، وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ عَلَى شِرْكِهِ لَجَازَ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ، لِأَنَّا لَا نَلِي عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَهُمْ فَأَجَزْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ فِيهِ إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ كَانَ لَنَا بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ مَا فِي أَيْدِينَا مِنْ مَالِهِ فَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ أَوْ لَيْسَ مَالُهُ عَلَى حَالِهِ؟ قِيلَ: بَلْ مَالُهُ عَلَى شَرْطٍ.

الْخِلَافُ فِي الْمُرْتَدِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلَامِ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ، فَقُلْتُ لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: أَخَبَرًا قُلْتَهُ أَمْ قِيَاسًا؟ قَالَ: بَلْ خَبَرًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ قَوْلًا فِيهِ قُلْت الَّذِي قَالَ هَذَا خَطَّاءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَهُ بِأَكْثَرَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْتُ: لَهُ قَدْ حَدَّثَ بَعْضُ مُحَدِّثِيكُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَتَلَ نِسْوَةً ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلَامِ فَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِهِ إذْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ (قَالَ): فَإِنِّي أَقُولُهُ قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ (قُلْت): فَاذْكُرْهُ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ» فَإِذَا كَانَ النِّسَاءُ لَا يُقْتَلْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ النِّسَاءُ اللَّاتِي ثَبَتَ لَهُنَّ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ أَوْلَى أَنْ لَا يُقْتَلْنَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ أَوَيُشْبِهُ حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ الْحُكْمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (قَالَ): وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ؟ قُلْتُ أَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ (قَالَ): وَأَيْنَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْكَبِيرَ الْفَانِيَ، وَالرَّاهِبَ الْأَجِيرَ أَيُقْتَلُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ: لَا (قُلْت): فَإِنْ ارْتَدَّ رَجُلٌ فَتَرَهَّبَ أَوْ ارْتَدَّ أَجِيرًا نَقْتُلُهُ قَالَ: نَعَمْ (قُلْت): وَلِمَ؟، وَهَؤُلَاءِ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ، وَصَارُوا كُفَّارًا فَلِمَ لَا تَحْقِنُ دِمَاءَهُمْ؟ (قَالَ): لِأَنَّ قَتْلَ هَؤُلَاءِ كَالْحَدِّ لَيْسَ لِي تَعْطِيلُهُ (قُلْت): أَرَأَيْتَ مَا حَكَمْتَ بِهِ حُكْمَ الْحَدِّ أَنُسْقِطُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ؟ أَرَأَيْتَ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ، وَالرَّجْمَ، وَالْجَلْدَ أَتَجِدُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرْقًا؟ قَالَ: لَا (قُلْتُ) فَكَيْفَ لَمْ تَقْتُلْهَا بِالْحَدِّ فِي الرِّدَّةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَتَغْنَمُ مَالَهَا، وَتَسْبِيهَا، وَتَسْتَرِقُّهَا قَالَ نَعَمْ (قُلْت): فَتَصْنَعُ هَذَا بِالْمُرْتَدَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تَقِيسَ بِالشَّيْءِ مَا لَا يُشْبِهُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَضَيْنَا كُلَّ دَيْنٍ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَأَعْتَقْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَمُدَبَّرِيهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ نَرُدَّ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئًا إلَّا أَنْ نَجِدَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي يَدَيْ أَحَدٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>