للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى

{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَرْضَ الصَّدَقَاتِ فِي كِتَابِهِ ثُمَّ أَكَّدَهَا فَقَالَ {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} (قَالَ): وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْسِمَهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَسَمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَا كَانَتْ الْأَصْنَافُ مَوْجُودَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِي مَنْ وَجَدَ {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} وَكَقَوْلِهِ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} وَكَقَوْلِهِ {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} وَمَعْقُولٌ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ فَرَضَ هَذَا لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ يَمُوتُ الْمَيِّتُ وَكَانَ مَعْقُولًا عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ السُّهْمَانَ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا يَوْمَ تُؤْخَذُ الصَّدَقَةُ وَتُقْسَمُ (قَالَ): وَإِذَا أُخِذَتْ الصَّدَقَةُ مِنْ قَوْمٍ قُسِمَتْ عَلَى مَنْ مَعَهُمْ فِي دَرَاهِمِ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ جِيرَانِهِمْ إلَى أَحَدٍ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهَا (أَخْبَرَنَا) مُطَرِّفٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنْ قَضَى: أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ إلَى مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): هُوَ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا عَلَى جِيرَانِ مَالِكِ الْمَالِ إذَا مَا نَأَى عَنْ مَوْضِعِ الْمَالِ، أَخْبَرَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ، أَوْ هُمَا عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِي عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ، فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» (قَالَ): وَهَذَا مِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ الْعُشْرَ وَالصَّدَقَةَ إلَى جِيرَانِ الْمَالِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا إلَى جِيرَانِ مَالِكِ الْمَالِ إذَا نَأَى عَنْ مَوْضِعِ الْمَالِ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ، هُوَ يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نِمْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَاشَدْتُك اللَّهَ آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا وَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ فَقَالَ اللَّهُمَّ نَعَمْ» (قَالَ): وَلَا تُنْقَلُ الصَّدَقَةُ مِنْ مَوْضِعٍ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا.

جِمَاعُ بَيَانِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ -: الْفَقِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا حِرْفَةَ تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا زَمِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ زَمِنٍ سَائِلًا كَانَ أَوْ مُتَعَفِّفًا وَالْمِسْكِينُ مَنْ لَهُ مَالٌ أَوْ حِرْفَةٌ لَا تَقَعُ مِنْهُ مَوْقِعًا وَلَا تُغْنِيهِ سَائِلًا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَائِلٍ قَالَ وَإِذَا كَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا فَأَغْنَاهُ وَعِيَالَهُ كَسْبُهُ أَوْ حِرْفَتُهُ فَلَا يُعْطَى فِي وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ شَيْئًا لِأَنَّهُ غَنِيٌّ بِوَجْهٍ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا الْمُتَوَلُّونَ لِقَبْضِهَا مِنْ أَهْلِهَا مِنْ السُّعَاةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ مِنْ عَرِيفٍ لَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا بِمَعْرِفَتِهِ فَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَلَّى أَخْذَهَا عَامِلٌ دُونَهُ فَلَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ وَكَذَلِكَ مَنْ أَعَانَ وَالِيًا عَلَى قَبْضِهَا مِمَّنْ بِهِ الْغِنَى عَنْ مَعُونَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ حَقٌّ وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِهَا كَانُوا أَوْ غُرَبَاءَ إذَا وُلُّوهَا فَهُمْ الْعَامِلُونَ وَيُعْطَى أَعْوَانُ إدَارَةِ وَالِي الصَّدَقَةِ بِقَدْرِ مَعُونَاتِهِمْ عَلَيْهَا وَمَنْفَعَتِهِمْ فِيهَا وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ مُشْرِكٌ يَتَأَلَّفُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ حُنَيْنٍ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ الْعَطَايَا مِنْ الْفَيْءِ وَمِنْ مَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً لَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَةِ وَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ وَقَدْ خَوَّلَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ أَمْوَالَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَهُمْ وَجَعَلَ صَدَقَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودَةً فِيهِمْ كَمَا سَمَّى لَا عَلَى مَنْ خَالَفَ دِينَهُمْ قَالَ وَالرِّقَابُ الْمُكَاتَبُونَ مِنْ جِيرَانِ الصَّدَقَةِ فَإِنْ اتَّسَعَ لَهُمْ السَّهْمُ أُعْطُوا حَتَّى يُعْتَقُوا وَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ الْوَالِي إلَى مَنْ يُعْتِقُهُمْ فَحَسَنٌ وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِمْ أَجْزَأَهُ وَإِنْ ضَاقَتْ السُّهْمَانُ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى الْمُكَاتَبِينَ فَاسْتَعَانُوا بِهَا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>