للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى حِينَ صَلَّى عَلَى الشَّكِّ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ نُهِيَ عَنْ صِيَامِ السَّفَرِ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى الرِّفْقِ بِالنَّاسِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِي وَقَدْ يَسْمَعُ بَعْضُ النَّاسِ النَّهْيَ وَلَا يَسْمَعُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى النَّهْيِ فَيَقُولُ بِالنَّهْيِ جُمْلَةً.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْت لَك أَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَنَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصَّوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَافْطُرْ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ «أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَا وَصَفْت، فَإِنْ قَالَ إنْسَانٌ فَإِنَّهُ قَدْ سَمَّى الَّذِينَ صَامُوا الْعُصَاةَ فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ لِلتَّقَوِّي لِلْعَدُوِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مُحَارَبًا عَامَ نُهِيَ عَنْ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَأَبَى قَوْمٌ إلَّا الصِّيَامَ فَسَمَّى بَعْضَ مَنْ سَمِعَ النَّهْيَ الْعُصَاةَ إذْ تَرَكُوا الْفِطْرَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا قَبُولَ الرُّخْصَةِ وَرَغِبُوا عَنْهَا وَهَذَا مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا، إنَّمَا نَقُولُ يُفْطِرُ أَوْ يَصُومُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ لَهُ، فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ أَحَبُّ إلَيْنَا لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» قِيلَ لَيْسَ هَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَلَكِنَّهُ كَمَا وَصَفْت إذَا رَأَى الصِّيَامَ بِرًّا وَالْفِطْرَ مَأْثَمًا وَغَيَّرَ بِرَغْبَةٍ عَنْ الرُّخْصَةِ فِي السَّفَرِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ الْفَجْرَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ الْبَلَدِ الَّذِي يَنْوِي الْمُقَامَ بِهِ وَهُوَ يَنْوِي الصَّوْمَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ أَزْمَعَ الْفِطْرَ ثُمَّ أَزْمَعَ الصَّوْمَ بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُجْزِهِ فِي حَضَرٍ كَانَ أَوْ فِي سَفَرٍ، وَإِنْ سَافَرَ فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى مَاتَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إذَا لَزِمَهُ أَنْ يَصُومَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَتَرَكَ الصَّوْمَ فَهُوَ حِينَئِذٍ يُلْزَمُ بِالْقَضَاءِ وَيُكَفَّرُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ لَا يَصِحُّ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ.

بَابُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْمُتَطَوِّعُ بِالصَّوْمِ مُخَالِفٌ لِلَّذِي عَلَيْهِ الصَّوْمُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ لَا يُجْزِيهِمْ عِنْدِي إلَّا إجْمَاعُ الصَّوْمِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَاَلَّذِي يَتَطَوَّعُ بِالصَّوْمِ مَا لَمْ يَأْكُلَ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَإِنْ أَصْبَحَ يُجْزِيهِ الصَّوْمُ، وَإِنْ أَفْطَرَ الْمُتَطَوِّعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَرِهْته لَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَنَا فِي هَذَا بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي شَيْءٍ فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ أَنْ يَقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَ يَوْمِهِمَا الَّذِي أَفْطَرَتَا فِيهِ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ إنَّمَا حَدَّثَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ رَجُلٍ لَا نَعْرِفُهُ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمَرَهُمَا عَلَى مَعْنَى إنْ شَاءَتَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا أَمَرَ عُمَرَ أَنْ يَقْضِيَ نَذْرًا نَذَرَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ عَلَى مَعْنَى إنْ شَاءَ. قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَعْنَى مَا قُلْت فَإِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْخَبَرِ لَيْسَ فِيهِ مَا قُلْت

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ «عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت إنَّا خَبَّأْنَا لَك حَيْسًا فَقَالَ: أَمَا إنِّي كُنْت أُرِيدُ الصَّوْمَ وَلَكِنْ قَرِّبِيهِ»

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لَهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمُتَطَوِّعِ الْقَضَاءُ إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ حِينَئِذٍ مِنْهُ لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>