للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ فَوْتِ الْحَجِّ بِلَا حَصْرِ عَدُوٍّ وَلَا مَرَضٍ وَلَا غَلَبَةٍ عَلَى الْعَقْلِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ لَا بِحَصْرِ الْعَدُوِّ وَلَا مَحْبُوسًا بِمَرَضٍ وَلَا ذَهَابِ عَقْلٍ بِأَيِّ وَجْهٍ مَا فَاتَهُ مِنْ خَطَأِ عَدَدٍ أَوْ إبْطَاءٍ فِي مَسِيرِهِ أَوْ شَغْلٍ أَوْ تَوَانٍ فَسَوَاءٌ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَالْمَرِيضُ وَالذَّاهِبُ الْعَقْلَ يَفُوتُهُ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ الْفِدْيَةُ وَالْقَضَاءُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحِلَاقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَمَا وَجَبَ عَلَى بَعْضِهِمْ وَجَبَ عَلَى كُلٍّ، غَيْرَ أَنَّ الْمُتَوَانِي حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ آثِمٌ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَهَلْ مِنْ أَثَرٍ فِيمَا قُلْت؟ قُلْت نَعَمْ، فِي بَعْضِهِ وَغَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ النَّحْرِ مِنْ الْحَاجِّ فَوَقَفَ بِحِيَالِ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ فَيَقِفُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَلْيَأْتِ الْبَيْتَ فَلْيَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَلْيَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا ثُمَّ لِيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَنْحَرْهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ فَلْيَحْلِقْ أَوْ يُقَصِّرْ ثُمَّ لِيَرْجِعْ إلَى أَهْلِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْحَجُّ قَابِلًا فَلْيَحْجُجْ إنْ اسْتَطَاعَ وَلْيَهْدِ فِي حَجِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ خَرَجَ حَاجًّا حَتَّى إذَا كَانَ بِالْبَادِيَةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ أَضَلَّ رَوَاحِلَهُ وَأَنَّهُ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَوْم النَّحْرِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهُ اصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْت فَإِذَا أَدْرَكَك الْحَجُّ قَابِلًا حُجَّ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنْ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اذْهَبْ فَطُفْ وَمَنْ مَعَك وَانْحَرُوا هَدْيًا إنْ كَانَ مَعَكُمْ ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا ثُمَّ ارْجِعُوا فَإِذَا كَانَ قَابِلٌ حُجُّوا وَأَهْدُوا {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ، وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ دَلَالَةٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ مُعْتَمِرٍ لَا أَنَّ إحْرَامَهُ عُمْرَةٌ وَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُهُ الْحَجَّ قَارِنًا حَجَّ قَارِنًا وَقَرَنَ وَأَهْدَى هَدْيًا لِفَوْتِ الْحَجِّ وَهَدْيًا لِلْقِرَانِ وَلَوْ أَرَادَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَنْ يُقِيمَ إلَى قَابِلٍ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ مُهِلًّا بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ مَعْلُومَاتٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} فَأَشْبَهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ حُظِرَ الْحَجُّ فِي غَيْرِهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ أَنَّهُ يُقِيمُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ إلَى قَابِلٍ؟ قِيلَ لِمَا وَصَفْت مِنْ الْآيَةِ وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَمَا لَا أَعْلَمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ إلَى أَنْ يَحُجَّ قَابِلًا كَانَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْ عَمَلٍ يَقْدِرُ عَلَى الْمُقَامِ فِيهِ حَتَّى يُكْمِلَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَا كَذَلِكَ الْعُمْرَةَ وَكُلُّ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ كَانَ لَهُ الْمُقَامُ فِيهَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ فِيهَا حَتَّى يُكْمِلَهَا إذَا كَانَتْ مِمَّا يَلْزَمُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ وَبَعْضُ مَكِّيِّينَا فِي مَحْبُوسٍ عَنْ الْحَجِّ بِمَرَضٍ فَقَالُوا هُوَ وَالْمُحْصَرُ بَعْدُ وَلَا يَفْتَرِقَانِ فِي شَيْءٍ وَقَالَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَقِيت مِنْهُمْ وَقَالَ يَبْعَثُ الْمُحْصَرُ بِالْهَدْيِ وَيُوَاعِدُهُ الْمَبْعُوثُ بِالْهَدْيِ مَعَهُ يَوْمًا يَذْبَحُهُ فِيهِ عَنْهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْتَاطُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ بَعْدَ مَوْعِدِهِ ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ ثُمَّ يَحِلُّ وَيَعُودُ إلَى بَلَدِهِ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ إحْرَامِهِ الَّذِي فَاتَهُ وَقَالَ بَعْضُ مَكِّيِّينَا كَمَا فَاتَهُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بَلْ إنْ كَانَ مُهِلًّا بِحَجٍّ قَضَى حَجًّا وَعُمْرَةً لِأَنَّ إحْرَامَهُ بِالْحَجِّ صَارَ عُمْرَةً وَأَحْسَبُهُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَحَجًّا وَعُمْرَتَيْنِ لِأَنَّ حَجَّهُ صَارَ عُمْرَةً.

وَإِنْ كَانَ مُهِلًّا بِعُمْرَةٍ قَضَى عُمْرَةً وَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَا نُخَالِفُك فِي أَنَّ آيَةَ الْإِحْصَارِ نَزَلَتْ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَّهُ إحْصَارُ عَدُوٍّ، أَفَرَأَيْت إذْنَ اللَّهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>