للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَاشِيَةٍ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ لِمَا جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَلُحَتْ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَثْمَانٌ بِحَالٍ لَمَا جَازَ قَتْلُهَا وَلَكَانَ لِمَالِكِهَا بَيْعُهَا فَيَأْخُذُ أَثْمَانَهَا لِتَصِيرَ إلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ قنيتهما (قَالَ): وَلَا يَحِلُّ السَّلَمُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَمَا أُخِذَ فِي شَيْءٍ يُمْلَكُ فِيهِ بِحَالٍ مُعَجَّلًا أَوْ مُؤَخَّرًا أَوْ بِقِيمَتِهِ فِي حَيَاةٍ أَوْ مَوْتٍ فَهُوَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْكَلْبِ ثَمَنٌ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِهِ وَلَوْ حَلَّ ثَمَنُهُ حَلَّ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ.

(قَالَ): وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ» وَقَالَ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ».

(قَالَ): وَقَدْ نَصَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْخِنْزِيرَ فَسَمَّاهُ رِجْسًا وَحَرَّمَهُ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَخْرُجَ لَهُ ثَمَنٌ مُعَجَّلٌ وَلَا مُؤَخَّرٌ وَلَا قِيمَةٌ بِحَالٍ وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قِيمَةٌ وَمَا لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ مِمَّا يُمْلَكُ لَا تَحِلُّ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ ثَمَنٌ مِنْ الْأَثْمَانِ (قَالَ): وَمَا كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ فِي حَيَاتِهِ بِيعَ مِنْ النَّاسِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ فَلَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ وَمَا كَانَ لَا بَأْسَ بِابْتِيَاعِهِ لَمْ يَكُنْ بِالسَّلَفِ فِيهِ بَأْسٌ إذَا كَانَ لَا يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَمَنْ مَلَكَهُ فَقَتَلَهُ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَتَلَهُ فِيهِ، وَمَا كَانَ مِنْهُ مُعَلَّمًا فَقَتَلَهُ مُعَلَّمًا فَقِيمَتُهُ مُعَلَّمًا كَمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْعَبْدِ مُعَلَّمًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْفَهْدِ يُعَلَّمُ الصَّيْدَ وَالْبَازِي وَالشَّاهَيْنِ وَالصَّقْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجَوَارِحِ الْمُعَلَّمَةِ وَمِثْلُ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيًّا، وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ لَحْمُهُ.

(قَالَ): فَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ فَيُؤْكَلَانِ وَيُبَاعَانِ وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِمَا وَصَفْتُ يَجُوزُ فِيهِمَا السَّلَفُ إنْ كَانَ انْقِطَاعُهُمَا فِي الْحِينِ الَّذِي يُسْلَفُ فِيهِمَا مَأْمُونًا الْأَمَانَ الظَّاهِرَ عِنْدَ النَّاسِ، وَمَنْ قَتَلَهُمَا وَهُمَا لِأَحَدٍ غَرِمَ ثَمَنَهُمَا كَمَا يَغْرَمُ ثَمَنَ الظَّبْيِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَحْشِ الْمَمْلُوكِ غَيْرُهُمَا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكُلُّ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ مِنْ وَحْشٍ مِثْلُ الْحِدَأَةِ وَالرَّخَمَةِ وَالْبُغَاثَةِ وَمَا لَا يَصِيدُ مِنْ الطَّيْرِ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمِثْلُ اللُّحَكَةِ وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَأَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ لَا يَجُوزَ شِرَاؤُهُ وَلَا بَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى أَحَدٍ لَوْ حَبَسَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ لَهُ قِيمَةٌ وَكَذَلِكَ الْفَأْرُ وَالْجِرْذَانُ وَالْوِزْغَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلْمَنْفَعَةِ فِيهِ حَيًّا وَلَا مَذْبُوحًا وَلَا مَيِّتًا فَإِذَا اشْتَرَى هَذَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَكْلَ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُجِيزَ لِلْمُسْلِمِينَ بَيْعُ مَا انْتَفَعُوا بِهِ مَأْكُولًا أَوْ مُسْتَمْتَعًا بِهِ فِي حَيَاتِهِ لِمَنْفَعَةٍ تَقَعُ مَوْقِعًا وَلَا مَنْفَعَةَ فِي هَذَا تَقَعُ مَوْقِعًا، وَإِذَا نُهِيَ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْفَحْلِ وَهُوَ مَنْفَعَةٌ إذَا تَمَّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَيْنٍ تُمْلَكُ لِمَنْفَعَةٍ، كَانَ مَا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ بِحَالٍ أَوْلَى أَنْ يُنْهَى عَنْ ثَمَنِهِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

بَابُ الْخِلَافِ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فَأَجَازَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَشِرَاءَهُ وَجَعَلَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ ثَمَنَهُ قُلْتُ لَهُ أَفَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَرِّمُ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَتَجْعَلُ لَهُ ثَمَنًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا؟ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَلَهَا أَثْمَانٌ يَغْرَمُهَا قَاتِلُهَا أَيَأْمُرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَتْلِ مَا يَغْرَمُهُ قَاتِلُهُ وَكُلُّ مَا غَرِمَهُ قَاتِلُهُ أَثِمَ مِنْ قَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ مَا يَكُونُ مَالًا لِمُسْلِمٍ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَأْمُرُ بِمَأْثَمٍ (وَقَالَ قَائِلٌ): فَإِنَّا إنَّمَا أَخَذْنَا أَنَّ الْكَلْبَ يَجُوزُ ثَمَنُهُ خَبَرًا وَقِيَاسًا قُلْت لَهُ فَاذْكُرْ الْخَبَرَ قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ أَغْرَمَ رَجُلًا ثَمَنَ كَلْبٍ قَتَلَهُ عِشْرِينَ بَعِيرًا، قَالَ، وَإِذَا جُعِلَ فِيهِ مَقْتُولًا قِيمَةً، كَانَ حِيَالَهُ ثَمَنٌ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ (قَالَ): فَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ ثَبَتَ هَذَا عَنْ عُثْمَانَ كُنْتَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا فِي احْتِجَاجِكَ عَلَى شَيْءٍ ثَبَتَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>