للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْبُيُوعِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): فَاحْتَمَلَ أَمْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ بِالشَّهَادَةِ وَمُبَاحٌ تَرْكُهَا لَا حَتْمًا يَكُونُ مَنْ تَرَكَهُ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَتْمًا مِنْهُ يَعْصِي مَنْ تَرَكَهُ بِتَرْكِهِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُ أَنْ لَا يَدَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْإِشْهَادَ وَذَلِكَ أَنَّهُمَا إذَا أَشْهَدَا لَمْ يَبْقَ فِي أَنْفُسِهِمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ حَتْمًا فَقَدْ أَدَّيَاهُ، وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَقَدْ أَخَذَا بِالْحَظِّ فِيهَا وَكُلُّ مَا نَدَبَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ مِنْ فَرْضٍ أَوْ دَلَالَةٍ فَهُوَ بَرَكَةٌ عَلَى مَنْ فَعَلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَ فِيهِ دَلَالَةٌ كَانَ فِيهِ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا إنْ أَرَادَ ظُلْمًا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ تَارِكًا لَا يُمْنَعُ مِنْهُ وَلَوْ نَسِيَ أَوْ وَهِمَ فَجَحَدَ مُنِعَ مِنْ الْمَأْثَمِ عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُمَا بَعْدَهُمَا، أَوْ لَا تَرَى أَنَّهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا أَنْ يَبِيعَ فَبَاعَ هَذَا رَجُلًا وَبَاعَ وَكِيلُهُ آخَرَ وَلَمْ يُعْرَفْ أَيُّ الْبَيْعَيْنِ أَوَّلُ؟ لَمْ يُعْطَ الْأَوَّلُ مِنْ الْمُشْتَرِيَيْنِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَلَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ فَأُثْبِتَتْ أَيُّهُمَا أَوَّلُ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ فَالشَّهَادَةُ سَبَبُ قَطْعِ التَّظَالُمِ وَتُثْبِتُ الْحُقُوقَ وَكُلُّ أَمْرِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ ثُمَّ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَيْرُ الَّذِي لَا يُعْتَاضُ مِنْهُ مَنْ تَرَكَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْلَى بِالْآيَةِ الْحَتْمُ بِالشَّهَادَةِ أَمْ الدَّلَالَةُ؟ فَإِنَّ الَّذِي يُشْبِهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِيَّاهُ أَسْأَلُ التَّوْفِيقَ أَنْ يَكُونَ دَلَالَةً لَا حَتْمًا يَخْرُجُ مَنْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ فَإِنْ قَالَ مَا دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْت؟ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَذَكَرَ أَنَّ الْبَيْعَ حَلَالٌ وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَهُ بَيِّنَةً وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي آيَةِ الدَّيْنِ {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} وَالدَّيْنُ تَبَايُعٌ وَقَدْ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِشْهَادِ فَبَيَّنَ الْمَعْنَى الَّذِي أَمَرَ لَهُ بِهِ فَدَلَّ مَا بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الدَّيْنِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا أَمَرَ بِهِ عَلَى النَّظَرِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا عَلَى الْحَتْمِ قُلْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>