للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - قَالَ «رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَأَذِنَ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِالرَّهْنِ فِي الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَكُلُّ حَقٍّ مِمَّا يَمْلِكُ أَوْ لَزِمَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ جَازَ الرَّهْنُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيمَا لَا يَلْزَمُ.

فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ وَصَالَحَهُ وَرَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَلَوْ قَالَ أَرْهَنُك دَارِي عَلَى شَيْءٍ إذَا دَايَنْتَنِي بِهِ أَوْ بَايَعْتَنِي ثُمَّ دَايَنَهُ أَوْ بَايَعَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ كَانَ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَقٌّ، وَإِذْنُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ فِيمَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْحَقِّ دَلَالَةٌ عَلَى أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا بَعْدَ لُزُومِ الْحَقِّ أَوْ مَعَهُ فَأَمَّا قَبْلَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَقٌّ فَلَا رَهْنَ.

بَابُ مَا يَتِمُّ بِهِ الرَّهْنُ مِنْ الْقَبْضِ

قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَلَمَّا كَانَ مَعْقُولًا أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ مَمْلُوكِ الرَّقَبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْبَيْعِ، وَلَا مَمْلُوكِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ مِلْكَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِمَا أَجَازَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فَلِلرَّاهِنِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى رَجَعَ الرَّاهِنُ فِي الرَّهْنِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لَمْ يَتِمَّ إلَّا بِأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ يَتِمُّ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ مِثْلَ الْهِبَاتِ الَّتِي لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً، وَمَا فِي مَعْنَاهَا.

وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ، وَكَانَ هُوَ وَالْغُرَمَاءُ فِيهِ أُسْوَةً سَوَاءً، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الرَّاهِنُ، وَلَكِنَّهُ أَفْلَسَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالْغُرَمَاءُ فِيهِ أُسْوَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ، وَلَوْ خَرِسَ الرَّاهِنُ أَوْ ذَهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ قَبْضُ الرَّهْنِ، وَلَوْ أَقْبَضَهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ فِي حَالِ ذَهَابِ عَقْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ، وَلَا يَكُونُ لَهُ قَبْضٌ حَتَّى يَكُونَ جَائِزَ الْأَمْرِ فِي مَالِهِ يَوْمَ رَهَنَهُ وَيَوْمَ يُقَبِّضُهُ الرَّاهِنُ إيَّاهُ.

وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ مَحْجُورٌ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، وَقَدْ فُكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ لَهُ رَهْنًا وَيُقَبِّضَهُ إيَّاهُ بَعْدَ أَنْ يُفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حُجِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ مِنْهُ. وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى هَرَبَ الْعَبْدُ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الرَّاهِنُ أَوْ يُفْلِسَ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَبْضِهِ حَتَّى رَجَعَ الرَّاهِنُ فِي الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ لَهُ قَبْضُهُ، وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَارْتَدَّ الْعَبْدُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ مُرْتَدًّا أَوْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ غَيْرَ مُرْتَدٍّ فَارْتَدَّ فَالْعَبْدُ رَهْنٌ بِحَالِهِ إنْ تَابَ فَهُوَ رَهْنٌ، وَإِنْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ قُتِلَ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ.

وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا، وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى رَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ كَانَ الرَّهْنُ لِلثَّانِي الَّذِي أَقْبَضَهُ صَحِيحًا، وَالرَّهْنُ الَّذِي لَمْ يُقْبَضْ كَمَا لَمْ يَكُنْ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَعْتَقَهُ كَانَ حُرًّا خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى كَاتَبَهُ كَانَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَصْدَقَهُ امْرَأَةً أَوْ أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ أَوْ دَبَّرَهُ كَانَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ فِي هَذَا كُلِّهِ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى دَبَّرَهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ بِالتَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ بَعْدَمَا دَبَّرَهُ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بَعْدَمَا دَبَّرَهُ فَلَمَّا كَانَ لَهُ بَيْعُهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا، وَمَاتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>