للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ كَانَ لِرَبِّ الرَّهْنِ مَنْعُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ فَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لَهُمْ رَهْنًا، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ الْمُرْتَهِنُ، وَلَكِنَّهُ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَوَلَّى الْحَاكِمُ مَالَهُ رَجُلًا فَإِنْ شَاءَ الرَّاهِنُ مَنَعَهُ الرَّجُلَ الْمُوَلَّى؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ مَنْعُهُ الْمُرْتَهِنَ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَهُ لَهُ بِالرَّهْنِ الْأَوَّلِ كَمَا كَانَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ لِلْمُرْتَهِنِ وَيَمْنَعَهُ إيَّاهُ. وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا جَارِيَةً فَلَمْ يُقْبِضْهُ إيَّاهَا حَتَّى وَطِئَهَا ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَقَرَّ بِهِ الرَّاهِنُ كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُقْبَضْ حَتَّى حَبِلَتْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا حُبْلَى مِنْهُ.

وَهَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الرَّهْنِ ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ فَأَقَرَّ بِهِ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قُبِضَتْ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا حَامِلًا، وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا غَيْرَ ذَاتِ زَوْجٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى زَوَّجَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَالتَّزْوِيجُ جَائِزٌ، وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا، وَلَا يُمْنَعُ زَوْجُهَا مِنْ وَطْئِهَا بِحَالٍ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنْقِصُ ثَمَنَهَا وَيَمْنَعُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا وَحَلَّ الْحَقُّ بَيْعَهَا، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَأَيُّهُمَا زُوِّجَ فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَآجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت عَبْدًا فَآجَرْته قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ قَالَ لَيْسَ بِمَقْبُوضٍ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): لَيْسَ الْإِجَارَةُ بِقَبْضٍ، وَلَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يُقْبَضَ، وَإِذَا قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لِنَفْسِهِ أَوْ قَبَضَهُ لَهُ أَحَدٌ بِأَمْرِهِ فَهُوَ قَبْضٌ كَقَبْضِ وَكِيلِهِ لَهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ارْتَهَنْت عَبْدًا فَوَضَعْته عَلَى يَدِ غَيْرِك فَهُوَ قَبْضٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا ارْتَهَنَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ لَهُ أَوْ الْحَاكِمُ لِلْمَحْجُورِ فَقَبْضُ الْحَاكِمِ، وَقَبْضُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لِلْمَحْجُورِ كَقَبْضِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ قَبْضُ الْحَاكِمِ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ وَكَّلَ الْحَاكِمُ مَنْ قَبَضَ لِلْمَحْجُورِ أَوْ، وَكَّلَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ فَقَبْضُهُ لَهُ كَقَبْضِ الرَّجُلِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ وَلِلرَّاهِنِ مَنْعُ الْحَاكِمِ وَوَلِيِّ الْمَحْجُورِ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَمْ يَقْبِضَاهُ وَيَجُوزُ ارْتِهَانُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لَهُ وَرَهْنُهُمَا عَلَيْهِ فِي النَّظَرِ لَهُ.

وَذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ لَهُمَا فَيَفْضُلُ وَيَرْتَهِنَ. فَأَمَّا أَنْ يُسَلِّفَ مَالَهُمَا وَيَرْتَهِنَ فَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُمَا فِي السَّلَفِ، وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الْمَحْجُورِ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرًا لَهُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ نَظَرًا لَهُ.

قَبْضُ الرَّهْنِ، وَمَا يَكُونُ بَعْدَ قَبْضِهِ مِمَّا يُخْرِجُهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَمَا لَا يُخْرِجُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (قَالَ الشَّافِعِيُّ): إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ تَمَّ وَصَارَ الْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ إخْرَاجُهُ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَبْرَأَ مِمَّا فِي الرَّهْنِ مِنْ الْحَقِّ كَمَا يَكُونُ الْمَبِيعُ مَضْمُونًا مِنْ الْبَائِعِ فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي مَرَّةً صَارَ فِي ضَمَانِهِ فَإِنْ رَدَّهُ إلَى الْبَائِعِ بِإِجَارَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ فَهُوَ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ، وَلَا يَنْفَسِخُ ضَمَانُهُ بِالْبَيْعِ، وَكَمَا تَكُونُ الْهِبَاتُ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا غَيْرَ تَامَّةٍ فَإِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مَرَّةً ثُمَّ أَعَارَهَا إلَى الْوَاهِبِ أَوْ أَكْرَاهَا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ الْهِبَةِ.

وَسَوَاءٌ إذًا قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ مَرَّةً، وَرَدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْسَخْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ؛ لِمَا وَصَفْتُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ ارْتَهَنْت رَهْنًا فَقَبَضْته ثُمَّ آجَرْته مِنْهُ قَالَ نَعَمْ هُوَ عِنْدَك إلَّا أَنَّك آجَرْتَهُ مِنْهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ فَأَفْلَسَ فَوَجَدْته عِنْدَهُ؟ قَالَ أَنْتَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): يَعْنِي لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّك إذَا قَبَضْته مَرَّةً ثُمَّ آجَرْته مِنْ رَاهِنِهِ فَهُوَ كَعَبْدٍ لَك آجَرْته مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَدَّهُ إلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ الرَّهْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>