للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَقَرُّوا مَعًا بِسَرِقَةٍ بَالِغَةٍ مَا بَلَغَتْ لَا قَطْعَ فِيهَا.

أَبْطَلْتهَا عَنْهُمْ مَعًا عَنْ الْمَحْجُورَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مَمْنُوعَانِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا وَعَنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ فِي عُنُقِهِ بِلَا حَدٍّ فِي بَدَنِهِ وَهَكَذَا مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُرْتَدُّ مِنْ هَؤُلَاءِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَلْزَمْتُهُ إيَّاهُ كَمَا أُلْزِمُهُ إيَّاهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ.

إقْرَارُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ

(قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -): وَإِذَا أَقَرَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ مِنْ الرِّجَالِ، وَلَا الْمَحِيضَ مِنْ النِّسَاءِ، وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِحَقٍّ لِلَّهِ أَوْ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَاقِطٌ عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إنَّمَا خَاطَبَ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْعَاقِلِينَ الْبَالِغِينَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَا نَنْظُرُ فِي هَذَا إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقِرِّ إنْ قَالَ لَمْ أَبْلُغْ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَقَرَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ وَقَدْ احْتَلَمَ، وَلَمْ يَسْتَكْمِلْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَفَ إقْرَارُهُ فَإِنْ حَاضَ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَلَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَذَلِكَ إنْ حَاضَ، وَلَمْ يَحْتَلِمْ لَا يَجُوزُ إقْرَارُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِحَالٍ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَهَذَا سَوَاءٌ فِي الْأَحْرَارِ وَالْمَمَالِيكِ إذَا قَالَ سَيِّدُ الْمَمْلُوكِ أَوْ أَبُو الصَّبِيِّ: لَمْ يَبْلُغْ. وَقَالَ الْمَمْلُوكُ أَوْ الصَّبِيُّ: قَدْ بَلَغْت. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَمْلُوكِ إذَا كَانَ يُشْبِهُ مَا قَالَ فَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُ مَا قَالَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ أَبُوهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ وَالْعِلْمُ يُحِيطُ أَنَّ مِثْلَهُ لَا يَبْلُغُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَقْبَلَ إقْرَارَهُ وَإِذَا أَبْطَلْته عَنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَمْ أُلْزِمْهُ الْحُرَّ، وَلَا الْمَمْلُوكَ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ فِي الْحُكْمِ وَيَلْزَمُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - أَنْ يُؤَدُّوا إلَى الْعِبَادِ فِي ذَلِكَ حُقُوقَهُمْ.

إقْرَارُ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ أَصَابَهُ مَرَضٌ مَا كَانَ الْمَرَضُ، فَغَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ فَأَقَرَّ فِي حَالِ الْغَلَبَةِ عَلَى عَقْلِهِ فَإِقْرَارُهُ فِي كُلِّ مَا أَقَرَّ بِهِ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ تِلْكَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَرَضُ بِشَيْءٍ أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ لِيَتَدَاوَى بِهِ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ أَوْ بِعَارِضٍ لَا يُدْرَى مَا سَبَبُهُ. (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ شَرِبَ رَجُلٌ خَمْرًا أَوْ نَبِيذًا مُسْكِرًا فَسَكِرَ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَفَعَلَ مِمَّا لِلَّهِ وَلِلْآدَمِيِّينَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْفَرَائِضُ؛ وَلِأَنَّ عَلَيْهِ حَرَامًا وَحَلَالًا وَهُوَ آثِمٌ بِمَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ شُرْبِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا صَنَعَ؛ وَلِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمَنْ أُكْرِهَ فَأُوجِرَ خَمْرًا فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ ثُمَّ أَقَرَّ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ فِيمَا صَنَعَ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَوْ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي حَالِ ضُرٍّ غَلَبَهُ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي ذَلِكَ حَدٌّ بِحَالٍ، لَا لِلَّهِ، وَلَا لِلْآدَمِيِّينَ كَأَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَطَعَ رَجُلًا أَوْ قَتَلَهُ أَوْ سَرَقَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ زَنَى فَلَا يَلْزَمُهُ قِصَاصٌ، وَلَا قَطْعٌ، وَلَا حَدٌّ فِي الزِّنَا وَلِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْ الْمَجْرُوحِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ الْأَرْشَ وَكَذَلِكَ لِلْمَسْرُوقِ أَنْ يَأْخُذَ قِيمَةَ السَّرِقَةِ، وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْقَذْفِ ثُمَّ هَكَذَا الْبَالِغُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ صَنَعَ مِنْ هَذَا فِي الصِّغَرِ لَا يَخْتَلِفُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي حَالِ غَلَبَتِهِ عَلَى عَقْلِهِ وَصِغَرِهِ فَأَبْطَلْته عَنْهُ ثُمَّ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَخَذْت مِنْهُ مَا كَانَ فِي مَالِهِ دُونَ مَا كَانَ فِي بَدَنِهِ، فَإِقْرَارُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَكْثَرُ مِنْ بَيِّنَةٍ لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ هَذَا شَيْئًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ بَالِغٌ أَلْزَمْته حَدَّ الْمَمْلُوكِ فِيهِ كُلَّهُ، فَإِنْ كَانَ قَذْفًا حَدَدْته أَرْبَعِينَ أَوْ زِنًا حَدَدْته خَمْسِينَ وَنَفَيْته نِصْفَ سَنَةٍ إذَا لَمْ يُحِدَّ قَبْلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>